لغز جدلي حير البشرية… ما هي قصة طبقة “الأوزون” وما أسرارها؟

لغز جدلي حير البشرية… ما هي قصة طبقة “الأوزون” وما أسرارها؟

وجد العلماء أن ما بين 40 و60 في المائة من إجمالي انبعاثات غاز الكلوروفلوروكربون على مستوى العالم مصدرها شرق الصين

في شهر مايو/أيار الماضي عاد غاز الكلوروفلوروكربون (CFC-11) المحظور دوليا ليظهر فوق منطقة تقع شمال شرق الصين. رَصدُ هذا الغاز المدمر لطبقة الأوزون والذي يفوق في قدرته غاز ثاني أوكسيد الكربون (CO2) بمقدار عشرة آلاف مرة، أحيى معه المخاوف من تأثر طبقة الأوزون مجددا بهذا الغاز المستعمل أساسا في التبريد والتكييف، والذي أدرج في خانة المحظورات بعد توقيع اتفاق مونتريال سنة 1987.

وأرجح العلماء أن ظهور غاز الكلوروفلوركربون مرتبط بتسربات ناتجة عن أجهزة تبريد قديمة أو بعض مكيفات الهواء في البنايات التي لم يتم تجديدها.

ويخشى العلماء من عودة التآكل في طبقة الأوزون التي تعتبر جزءاً مهماً من الغلاف الجوي، وتحمينا من الأشعة فوق البنفسجية الضارة الصادرة عن أشعة الشمس.

وتعرضت هذه الطبقة لضرر بالغ منذ سبعينيات القرن الماضي بسبب أنشطة البشر فوق الأرض، وظهر خلال 1985 أول انحلال لهذه الطبقة فوق القطب الجنوبي سمي بثقب الأوزون.

وساهم بروتوكول مونتريال في 1987 في ظهور أولى مؤشرات تعافي طبقة الأوزون مع بداية الألفية الجديدة، وكشف علماء السنة الماضية عن إمكانية التئام الطبقة بشكل كامل بحلول العام 2060.

فكيف ظهرت إذاً مشكلة ثقب الأوزون؟ وما هي خطـ .ـورة الأشعة فوق البنفسجية التي تحمينا منها هذه الطبقة من الغلاف الجوي؟ وكيف ساهم بروتوكول مونتريال في إنقاذ مستقبل البشرية؟ وهل سننجح بالفعل في العودة إلى الوضع السائد قبل الثمانينيات؟

أُسّ المشكلة.. غازات الدفيئة
الأوزون طبقة حساسة جدا للرياح والغازات المنبعثة من سطح الأرض، ومنذ اكتشافها من طرف عالمين فرنسيين عام 1913، أظهرت الدراسات هشاشتها الشديدة أمام بعض الغازات التي تخلّفها الأنشطة البشرية.

وغدت هذه الحساسية مفرطة خلال فترة الثورة الصناعية وما رافق ذلك من انبعاث الغازات الدفيئة خاصة غاز أوكسيد النيتروجين ومركبات الكلوروفلوروكربون المنبعثة من المصانع ومحركات الطائرات النفاثة التي تحلّق في ارتفاعات شاهقة.

وزاد تضرر الطبقة أيضا مع استخدام كميات هائلة من المبيدات الحشرية على نطاق واسع في المزارع والحقول، وكذلك استخدام غاز الكلوروفلوروكربون في أجهزة الثلاجات والمبردات والمنظفات المنزلية.

وبسبب هذه العوامل مجتمعة، ظهرت فوق القطب الجنوبي ثغرة كبرى بلغت مساحتها في بداية الثمانينيات ضعف مساحة الولايات المتحدة الأمريكية سميت ثقب الأوزون الأعظم، كما ظهر ثقب آخر أقل مساحة في القطب الشمالي، لكنه أثار قلق العلماء بسبب قربه من التجمعات السكانية في أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا.

ووصلت المساحة القياسية المسجلة في ثقب الأوزون إلى 29.9 كلم مربع، وكان ذلك سنة 2000.

انحلال الأوزون.. خطـ .ـر يهـ .ـدد الحياة
من دون وجود طبقة الأوزون الحيوية، ستتسرب الأشعة فوق البنفسجية (UV-B) إلى سطح الأرض وتسبب أضرارا بالغة بالكائنات الحية وعلى رأسهم البشر.

وتتسبب هذه الأشعة فوق البنفسجية بتلف العين والجلد وتدهور جهاز المناعة لدى الإنسان. وأكدت دراسات عالمية أن انحلال طبقة الأوزون بنسبة 1% فقط يمكن أن ينتج عنه زيادة بنسبة تتراوح بين 6 و8% من حالات إعتام عدسة العين، وهي السبب الرئيسي للعمى في العالم. كما أن التعرض للأشعة فوق البنفسجية يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بسرطان الجلد، وتزداد حالات الإصابة بنسبة 2% كلما قلت نسبة الأوزون بـ1%.

وحتى المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية تتضرر كثيرا بسبب تسـ .ـرب الأشعة فوق البنفسجية التي تلحق الضرر باليخضور (الكلوروفيل) الذي يعطي النباتات لونها الأخضر ويقوم بدور رئيسي في عملية التمثيل الضوئي التي تشكل أساس الحياة على الأرض، وبالتالي انخفاض القدرة الإنتاجية، مما يهـ .ـدد الأمن الغذائي على سطح الكرة الأرضية.

كما أن الثروة السمكية عرضة للضرر رغم وجودها تحت سطح الماء الذي يعتبر بمثابة طبقة واقية من الأشعة الشمسية الضارة، فزيادة الأشعة فوق البنفسجية يقلل من كمية الطحالب والنباتات التي تتغذى عليها الأسماك، كما أنه يقضي على يرقات الأسماك التي تعيش قريبة من سطح الماء.

وفي عام 1994 وصل مستوى الأشعة فوق البنفسجية الساقطة على سطح الأرض إلى نسبة أعلى بما بين 8 و10% من مستوياتها قبل 15 عاماً، وتم قياس أعلى مستوى للأشعة فوق البنفسجية قرب القطبين وخصوصا في الجزء الجنوبي من نصف الكرة الأرضية.

بروتوكول مونتريال.. اتفاق تاريخي
في 16 سبتمبر / أيلول من عام 1994 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي للحفاظ على طبقة الأوزون، وذلك احتفالاً بتاريخ التوقيع على بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفِدة لطبقة الأوزون في عام 1987، والذي جاء تفعيلا لاتفاقية فيينا التي اعتمدها ووقع عليها 28 بلداً في 22 مارس/آذار 1985.

وينص بروتوكول مونتريال على اتخاذ تدابير لمراقبة الإنتاج العالمي للمواد المستنفدة للأوزون والسيطرة على ما يقرب من مئة من المواد الكيميائية في عدة فئات والقضاء نهائية على هذه المواد عن طريق تطوير المعارف العلمية والتكنولوجية البديلة.

ومن أجل التخلص التدريجي من مركبات كلوروفلوروكربون عرض جدول زمني عام 1992 على ‏البلدان المتقدمة والنامية من أجل الوصول إلى تجميد التداول بهذه المركبات في عام 2015، والتخلص النهائي منها ‏بحلول عام 2030 في البلدان المتقدمة، وفي عام 2040 في البلدان النامية‎.‎

وبعد ذلك بسنة صرح الأمين العام السابق للأمم ‏المتحدة الراحل كوفي عنان في عام 2003 أن بروتوكول مونتريال‎ ‎‏”واحد من أنجح المعاهدات الدولية حتى الآن”، لأنه جرى بوتيرة جيدة في البلدان المتقدمة والبلدان النامية على حد سواء.

وفي 16 سبتمبر/أيلول 2009، أصبحت اتفاقية فيينا وبروتوكول مونتريال أولى معاهدتين في تاريخ الأمم المتحدة تحققان التصديق العالمي. وقالت منظمة الأمم المتحدة للبيئة في تقريرها العام الماضي لتقييم بروتوكول مونتريال، إن الأدلة تظهر أن طبقات الأوزون في الطبقة العليا من الغلاف الجوي تعافت بمعدل 1 إلى 3% كل عام منذ عام 2000، وهو ما يزيد فرص الحد من الاحتباس الحراري.

بداية التعافي مع الألفية الجديدة
بحسب تقرير لصحيفة غارديان البريطانية فإن التئام الثقوب والانحلال الطبقي الناجم عن المواد الكيميائية زاد بمعدل يتراوح بين 3 و14% خلال عقد منذ عام 2000، مما يعني أن طبقة الأوزون فوق نصف الكرة الشمالي ينبغي أن تلتئم تماماً بحلول ثلاثينيات هذا القرن إذا استمرت معدلات الالتئام بالوتيرة نفسها.

أما في نصف الكرة الجنوبي والمناطق القطبية فسيكون الالتئام أبطأ، ومن المتوقع أن تتعافى طبقة الأوزون تماما بحلول عام 2060.

ومع بداية السنة الماضية كشفت دراسة اعتمدت على صور القمر الصناعي “أورا” التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا أن ثقب الأوزون تقلص بين 2005 و2016 بنسبة 20%.

كما سجل تقرير للأمم المتحدة أن مساحة ثقب الأوزون في القطب الجنوبي التأم العام الماضي بنحو ستة كيلومترات مربعة مقارنة بالمساحة المسجلة سنة 2006 والمقدرة بـ29.6 كلم مربع.

في المقابل أكد علماء أن غاز كلوروفلوروكربون المتسبب الرئيسي في تآكل طبقة الأوزون يحتاج إلى نحو 50 إلى 100 سنة على الأقل للاختفاء من الطبيعة، وهو ما يعني أن هذا الغاز سيستمر وجوده في الجو إلى غاية 2060 أو 2080.

كما سيكون لعملية التعافي الذاتية تأثير كبير على تغير المناخ الناجم عن زيادة الغازات الدفينة في الغلاف الجوي، وبالتالي تقليص معدلات حرارة الأرض التي وصلت إلى مستويات قياسية في القرن الواحد واللعشرين.

البشرية تتجنب الأسوأ
لو أن العالم لم يتحرك، لفقدت الأرض ثلثي مساحة طبقة الأوزون ابتداء من سنة 2065 بحسب بول نيومان خبير علوم الأرض في أحد مراكز الأبحاث بوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”.

لكن هذا النجاح الذي مكّن الأوزون من استرجاع عافيتها تدريجيا، ليس بالنجاح الباهر، ويرى علماء أن هناك مزيدا من العمل ينتظر البشرية من أجل خفض استخدام الغازات القوية المسببة للاحترار المناخي.
يعزو الباحثون إلى أن أنشطة البشر الصناعية فوق الأرض، هي السبب الرئيس لتغير المناخ

وكان هذا الهدف من التعديل الموقع في العاصمة الرواندية كيغالي عام 2016 لبروتوكول مونتريال، ودخل حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني 2019. وهو تعديل تلتزم الدول التي تصادق عليه بخفض الإنتاج والاستهلاك المتوقعين للغازات المستخدمة في الثلاجات ومكيفات الهواء والمنتجات ذات الصلة، والمعروفة باسم مركبات الهيدروفلوروكربون بأكثر من 80%، وحتى الآن قام 58 طرفاً بالتصديق على هذا التعديل.

ويرى علماء الأمم المتحدة أن العالم بإمكانه أيضا –بالإضافة إلى حماية طبقة الأوزون- تجنب نحو نصف درجة مئوية من الاحترار العالمي هذا القرن من خلال تنفيذ تعديل كيغالي، وهو ما سيساهم في الوصول إلى الهدف العالمي من أجل الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين.

المصادر : مواقع الكترونية عربية – الجزيرة