3 انتكاسات كبرى تضرب الجزائر ومكاسب للمغرب.. ولكن!!
رصد-متابعة
3 انتكاسات كبرى تضرب الجزائر ومكاسب للمغرب.. ولكن
على الرغم من أن خطوة الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها محفوفة بالشوائب والعيوب، إلا أنها تشكل انتكاسة دبلوماسية كبرى للجزائر.
من الشوائب المحيطة بما أقدمت عليه إدارة ترامب، أنه مقايضة محضة جافة من أي قناعات…
«هات وخذ». كما أنه ليس قرار أمريكا، بل قرار رئيس مهزوم يستمتع بتوزيع الهدايا في الوقت بدل الضائع من عمره الرئاسي. هدفه الأسمى والوحيد من هذه الهدايا، فرضُ أمر واقع معقّد ترثه الإدارة المقبلة، وخدمة إسرائيل ولا أحد قبلها أو بعدها.
من الشوائب الأخرى أن القضية موضوع القرار مطروحة أمام هيئات الأمم المتحدة للحسم فيها. عجزُ الأمم المتحدة وافتقارها لشجاعة وأدوات حل المشكلة ليسا ذريعة لما أقدم عليه ترامب.
ما يُضعف القرار كذلك أنه سيشكل سابقة غير محمودة في النزاعات العالقة عبر العالم، فلو تصرفت كل دولة إزاء الأزمات الثنائية وفق هواها ومصالحها ومصالح حلفائها، مثلما فعلت إدارة ترامب، لأصبح العالم غابة بمعنى الكلمة.
لكن هذه الشوائب لا تشفع للدبلوماسية الجزائرية. القرار الأمريكي إحراج كبير لهذه الأخيرة ويشكّل تتويجا منطقيا لسنوات من التراجع منذ أمسك الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة بكل ملفاتها مثل أي ديكتاتور مستبد.
وتعمّق التراجع بعد مرضه في 2012، ثم ما فتئ يتسع حتى غابت الجزائر عن أكثر الحرائق قربا إليها: ليبيا.
مع الإقرار بأن اعتراف إدارة ترامب لن يحل مشكلة الصحراء، سيكون من الصعب على الدبلوماسية الجزائرية، بعد اليوم، تجاوز الإرباك الذي سبّبه. سيكون عليها أن تتعايش مع هذا العبء الجديد والتخفيف من وزره، إن استطاعت.
لكن الأخطر على الجزائر في هذا السياق ليس تغيّر موقف واشنطن من نزاع الصحراء، بل الوجه الآخر للصفقة، ثمنها.
إذا كان الثمن تطبيعا مغربيا «عاديا» مع إسرائيل، فلا ضير لأنه سيكون تكرارا لما كان الحال منذ تسعينيات القرن الماضي. المغرب، حاضرا وتاريخيا، ليست لديه مشكلة مع إسرائيل واليهود.
الحاجز النفسي أقل حدّة لأن المغرب لم يعش مع اليهود الأزمة التي عاشتها الجزائر منذ «مرسوم كريميو» عام 1870. لهذا لم يجد المغرب مشكلة كبرى في التقارب مع إسرائيل وخدمتها سرا، بُعيد إنشائها، وعلنا عندما حلّ موسم التطبيع قبل أكثر من ثلاثة عقود.
لكن الزمن تغيّر. التسعينيات ذهبت إلى غير رجعة. التطبيع السري أو المحتشم، من قبيل فتح مكتب اتصال إسرائيلي والحرص على إبقائه بعيدا عن الأنظار، سُحب من على الطاولة لأنه لم يعد يكفي إسرائيل ولا يُرضي واشنطن.
المطلوب الآن علاقة كاملة علنية بلا خوف أو غموض وترقى إلى حجم المكافأة الجميلة التي قبضها المغرب.
(بعض السياسيين الأمريكيين، حتى من حلفاء ترامب مثل مستشاره السابق جون بولتون، يعتقدون أن ترامب كان يستطيع انتزاع اتفاق إسرائيلي مغربي من دون أن يضطر للتضحية بأكثر من ثلاثة عقود من السياسة الأمريكية المتوازنة حيال النزاع).
ثم هناك السابقتان الإماراتية والبحرينية اللتان حققتا مع إسرائيل في أربعة أسابيع ما لم يتحقق مع مصر والأردن في أربعة عقود.
هذه المعطيات الجديدة تضع المغرب في منطق ومزاج جديدين مختلفين. لا يستطيع المغرب، وسط هذه الظروف، أن يبقى متخلفا ومختلفا. المشهد الإقليمي الجديد يمنعه من إعادة إنتاج تطبيع التسعينيات، ويرفع عنه، في المقابل، الحرج المرتقب عن تطبيع 2020.
ويبدو أن الأمور تسير في هذا التوجه. المعطيات الأولى تشير إلى أن المغرب وإسرائيل مقبلان على شهر عسل مشابه لشهر العسل الإمارات والبحريني مع إسرائيل (مع فرق واحد لكنه هام: هو تطبيع فوقي لا فرصة له شعبيا، وسيبقى كذلك طويلا).
هنا يبدأ الإشكال من وجهة نظر جزائرية. لم ينتظر الإعلام الإسرائيلي والدولي طويلا ليبدأ الحديث عن تعاون عسكري وصفقات سلاح بين المغرب وإسرائيل. لن يجد المغرب مشكلة تمويل، المال الخليجي جاهز
والصفقات ذاتها تتحمل ليونة تمكّن المضي فيها. العدو، البوليساريو والجزائر، في حالة من التراجع لا تمكّنهما من منع أي صفقات أو تأخيرها، وتجعل احتجاجاتهما غير مسموعة.
التعاون العسكري المغربي الإسرائيلي سيترتب عنه حضورا إسرائيليا على الحدود الجزائرية المشتعلة كلها تقريبا.
لن تفيد الأدبيات السياسية في المنطقة التي تزعم أن الأمر سيكون تحصيل حاصل طالما أن إسرائيل وأجهزتها الأمنية والعسكرية تعرف كل شاردة وواردة عن الدول العربية بما في ذلك الجزائر. الكلام المرسل ومانشيتات الإعلام شيء، وحضور إسرائيل فعليا على حدودك شيء آخر تماما.
على الأغلب سيكون حديث التسلح ردعيا أكثر، لأن الحرب بين الجزائر والمغرب مستبعدة لإدراك كلا الطرفين ضررها وخطورتها. لكن ارتفاع منسوب لغة الشحناء والاتهام في العاصمتين، منذ حادثة الكركارات، لا يساعد على تهدئة النفوس واستتباب الأمن. بعض الكلام لا يقل خطورة عن الرصاص.
تحتاج الجزائر، بعد الآن، إلى دبلوماسية خلّاقة تستطيع ترويض هذا الواقع الجديد المفروض عليها والذي هو عبارة عن توجه إقليمي كامل المغرب جزء منه. هذا هو التحدي. لقد ولّى زمن شتم «المهرولين»
(إلى التطبيع مع إسرائيل) والسخرية منهم. الحذق اليوم هو مَن يتكيف مع حقيقة أن المنطقة تتغيّر بسرعة مذهلة، وأنها مقبلة على زمن بحقائق مُرَّة منها أن المنبوذ فيه هو مَن يرفض التطبيع.
ومنها أننا قد نشهد يوما ممثليات دبلوماسية إسرائيلية وفلسطينية في مدينة العيون. ومنها أن إسرائيل قد تصبح عضوا في جامعة الدول العربية أو أيّ تنظيم يحل محلها.
المنطقة العربية انتقلت من نظرية «السياسة فن الممكن» إلى واقع «في السياسة كل شيء ممكن».
مقال للكاتب: توفيق رباحي
كاتب صحافي جزائري في القدس العربي