يعيش فيها 800 مليونير ويطلق عليها “عاصمة البوغاز”.. مدينة طنجة ضمن المدن الأغنى عالمياً وعربياً
يعيش فيها 800 مليونير ويطلق عليها “عاصمة البوغاز”.. مدينة طنجة ضمن المدن الأغنى عالمياً وعربياً
مدينة طنجة، ضمن عشرين مدينة في افريقيا، تتوفر على أكبر قدر من الثروة، الى جانب كل من مدينتي الدار البيضاء ومراكش.
وتتوفر مدينة طنجة على أزيد من 800 مليونير، والعشرات من المليارديرات، مما مكنها من احتلال المرتبة الـ18 بإجمالي ثروة مملوكة للقطاع الخاص تبلغ 12 مليار دولار أمريكي.
جاء ذلك في تصنيف اورده الإصدار السابع لتقرير “الثروة في افريقيا” لسنة 2022، الصادر عن “هنلي آند بارتنر” بالشراكة مع “نيو وورلد هيلث”.
وجاءت مدينة الدار البيضاء في المركز الثامن في قائمة أغنى مدن افريقيا، باجمالي ثروة مملوكة للقطاع الخاص تبلغ 43 مليار دولار أمريكي،
ثم مدينة مراكش في المركز ال17 باجمالي ثروة مملوكة للقطاع الخاص تبلغ 12 مليار دولار
لهذه المدينة سحرها الخاص وجمالها الفريد وبريقها النادر والأخَّاذ..
ماذا تعرف عن “عروس الشمال” مدينة طنجة أجمل مدن العرب والعالم؟
يلقبها المغاربة بعروس الشمال، وهي في حقيقة الأمر عروس الأرض، ففيها يعانق البحر المتوسط شقيقه الأكبر المحيط الأطلسي،
وعندها تنتهي أفريقيا، ومنها تبدأ أوروبا. من أمام سواحلها تعبر كبرى سفن التجارة العالمية وفي تاريخها تلتقي الأسطورة الخيالية بالرواية الدينية.
تستأثر مدينة طنجة المغربية بأكثر المواقع الجغرافية حيوية وحساسية من الناحية السياسية وعلاقة المملكة بالعالم على مر التاريخ.
ففيها أقام الرومان مملكتهم الطنجية، وبها استقر مقام الحكم الأموي الإسلامي بعد الفتح، ومنها انطلق الزحف العربي-الأمازيغي نحو الأندلس بقيادة طارق بن زياد،
وفيها مولد وانطلاقة أشهر الرحالة على الإطلاق، محمد بن عبد الله المعروف بابن بطوطة.
مهر الأميرة الإنجليزية.. نقطة التوازن بين القوى عبر التاريخ
من مدينة طنجة خرج الفتح الإسلامي نحو الأندلس، ومنها تسرّب فيروس الاستعمار الأجنبي، فقد غادرت بيت السيادة المغربية طيلة أكثر من قرنين،
حين اختطفها الملك البرتغالي، ثم أهداها مهرا لأميرة إنجليزية، لكنها لم تزل وفية لأصلها المغربي، حتى استعادت هويتها نهاية القرن الـ17.
هي قطعة استثنائية من المغرب، فيها نشأ عالم أوروبي نهاية القرن الـ19، تقاطعت فيه أطماع ورغبات القوى الدولية،
لكنها أغوتهم جميعا وسلبتهم أرقى ما أنتجته الحضارة الإنسانية وقتها من فن وأدب ومسرح وسينما وصحافة وإذاعة وتلغراف،
حتى أنها كانت تعيش زمنا يسبق الزمن المغربي بقرن أو يزيد.
الموقع الجغرافي للمدينة، أي ملتقى كل من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وإشرافها على مضيق جبل طارق؛
بقدر ما يجعلها مكشوفة أمام التيارات والقوى الدولية فقد ساهم في تحصينها،
حيث جعلها نقطة توازن بين القوى الدولية عبر التاريخ، يحرم على أي منهم الاستئثار بها دون الآخرين.
“الطين جا”.. اسم طنجة الذي حير أساطير الحضارات
اسم مدينة طنجة لغز محيّر استعصى على المؤرخين واللسانيين وعلماء الآثار،
فقد نسج كثير من الأساطير حول اسم المدينة، وكلّ أسطورة منها اعتمدت على حضارة معينة وقصة خاصة بها،
ومن هذه الأساطير أن ظهور مدينة طنجة يعود إلى طوفان بحريّ أدّى إلى حدوث صراع بين الرمز البحريّ القوي أطلس والعملاق أنطي،
وكانت طنجة أرملة أنطي الذي قتله أطلس. ومن الروايات الأخرى أن المدينة مرتبطة بطوفان نوح المذكور في الكتب السماوية.
وثمة قصة تشير إلى أن اسم طنجة يعود لاسم إحدى الأميرات سُمّيت المدينة على اسمها حتّى تكون تذكارا لها.
فالأسطورة الشفوية المتداولة تقول إنه بعد الطوفان ضلت سفينة نوح الطريق وهي تبحث عن اليابسة،
وذات يوم حطت حمامة فوق السفينة وفي رجليها شيء من الوحل، فصاح ركاب السفينة “الطين جا.. الطين جا”،
أي جاءت الأرض اليابسة، ومن ثم سميت المنطقة “طنجة”.
أما الأسطورة الإغريقية فتقول إن “أنتي” ابن “بوسيدون” و”غايا”،
كان يهاجم المسافرين فيقتلهم ليصنع من جماجمهم معبدا أهداه فيما بعد لأبيه،
وأطلق على مملكته اسم زوجته “طنجة” -بكسر الطاء وسكون النون-
وكانت تمتد من مدينة سبتة إلى “ليكسوس” مدينة التفاحات الذهبية قرب العرائش.
وفي معركة قوية بين “هرقل” و”أنتي” استطاع “هرقل” أن يهزمه، وفي المعركة شقت إحدى ضربات سيفه مضيق البوغاز بين أوروبا والمغرب،
ثم تزوج بعد ذلك زوجة “أنتي”، فأنجبت له “سوفوكس” الذي أنشأ مستعمرة “طنجيس”.
“طنجيس”.. اسم محلي بصبغة التفنيق والتعريب
كلمة “طنجة” كما وردت في النصوص التي تحكي أساطير اسم المدينة متشابهة، لكنها متعدد الرسم والصيغ.
ولعل أهم ما يمكن الاهتداء به صيغتان وردتا في نقود الفينيقيين الذين وصلوا إلى طنجة قبل أن يعرفها الإغريق أو اللاتينيون،
حيث نجد صيغتين هما “تنكا” و”تتكا”.
الاسم إذن أصلي محلّي من لغة أهل البلد، وجده الفينيقيون فكتبوه كما هو أو كتبوه بشيء قليل من التحريف ليتماشى مع التفنيق،
ثم جاء العرب فكتبوه بشيء من التصحيف ليتماشى مع التعريب، ولا يمكن أن نقول إنه اسم فينيقي مستورد.
الصيغة الواردة في النصوص اللاتينية هي “طِنجيس”، وهي نفسها الواردة عند الفينيقيين بزيادة حرف السين التي تكررت زيادتها في أواخر أسماء عدد من المدن في إيبيريا أو في شمال أفريقيا، كما وردت في أوصاف الجغرافيين وغيرهم من الكتاب في العهد الروماني.
ورغم قدم ورسوخ استعمال كلمة “طنجة” في المصادر العربية، من بداية الفتح الإسلامي، فإن الباحثين لا يجدون معنى مشتقا من اللغة العربية لهذا الاسم،
فالقاموس العربي لا يتضمن إلا مادة قليلة من أصل “ط ن ج”، حيث يتضمن لسان العرب كلمة “الطنوج” التي تعني الأسفار،
وفعل طنّج الذي يعني تفنن في الكلام، وبالتالي يرجح أن اسم المدينة تحدر من الأصل الفينيقي الأول، عكس ما تذهب إليه بعض المصادر الغربية التي تربط الاسم ببعض الأساطير والقصص الاغريقية.
موريتانيا الطنجية.. صراع الحضارات في أقدم حواضر المغرب الأقصى
كانت مدينة طنجة قبل الإسلام بوابة الغزاة الآتين من الغرب، وأصبحت بعد الإسلام بوابة المغرب المسلم ومعه العالم الإسلامي كله إلى الغرب،
وهي درة عقد الثغور الشاطئية المغربية على الأبيض المتوسط التي شكلت خط الدفاع الأول عن المغرب المسلم.
والثابت أن المدينة واحدة من أقدم الحواضر المعروفة في المغرب الأقصى، حيث ذكرها الكاتب اليوناني “هيكاتي دوميلي”، وهو جغرافي ومؤرخ،
وذلك في القرن السادس قبل الميلاد. كما أنها إحدى الممالك الرئيسية التي احتفظت باستقلالها لمدة طويلة،
في ظل تواصلها مع روما إثر انهيار الدولة القرطاجية، وحين قررت روما أن تقضي على الدولة الموريتانية القائمة في شمال أفريقيا،
وتحكم البلاد بشكل مباشر، قسمت المنطقة إلى شطرين، واحد شرقي وأطلقت عليه اسم موريتانيا القيصرية، وآخر غربي وأسمته موريتانيا الطنجية، نسبة إلى طنجة.
وبعد وصول الفتح الإسلامي إلى أبعد نقطة في شمال أفريقيا ووصوله إلى الساحل الأطلسي،
استقر بها ولاة الدولة الأموية، إلى أن أصبحت محطة الأمان والاستقرار في رحلة المولى إدريس، مؤسس أول دولة إسلامية مستقلة في المغرب،
حين نزل بها قادما من مكة إلى المغرب، فقد أقام بهذه المدينة سنتين أو أكثر قليلا قبل أن يتوجه إلى منطقة أوربة -قرب مدينة مكناس- ليقيم دعائم دولة المغرب الإسلامية.
مسجد طارق بن زياد في مدينة طنجة معسكر صناعة الحلم الأندلسي
مدينة طنجة تجمع جميع الروايات على أن المولى إدريس قد تفرغ عند مقامه بطنجة لدعوة الناس وإرشادهم وتعليمهم،
فتألفت القلوب حوله وشاع ذكر صلاحه وشرفه بين الناس، فقصدوه وعكفوا على مجالسته، ولربما قام برحلات هنا وهناك في المناطق القريبة من المدينة.
وقد وضع مقام المولى إدريس بطنجة لمدة سنتين، واعتكافه على تعليم الناس وإرشادهم ودعوتهم إلى الإسلام السني؛ اللبنات الأولى والبذرة الخيرة لانتشار وشيوع اللغة العربية بين الناس في هذه المنطقة،
لقد رسمت الرحلة الإدريسية لهذه المدينة ومقامه بها مستقبل المغرب السياسي والحضاري ورسالته الإسلامية ودوره التاريخي.
وقبل تكليفه بالمهمة التي ستدخل كتب التاريخ، أي فتح الأندلس، ولى موسى بن نصير طارق بن زياد مهمة وال على مدينة طنجة المغربية، كخطوة أخيرة قبل عبور البحر المتوسط.
ومن الآثار القليلة التي احتفظت بها سجلات التاريخ عن مرحلة إقامة طارق بن زياد في مدينة طنجة وحكمه لها،
ما تقول بعض المصادر إنه مسجد بناه هذا القائد الإسلامي في منطقة الشرافات،
غير بعيد عن مدينة شفشاون الجبلية المغربية، ويرجّح أن يكون أول مسجد بني في بلاد المغرب الأقصى.
يحمل هذا المسجد القائم حتى الآن اسم طارق بن زياد، ويعتبره بعض المؤرخين منطلقا لرحلة المسلمين نحو فتح الأندلس،
فمنطقة المسجد كانت معسكرا لجيش طارق بن زياد خلال فترة حكمه لمدينة طنجة ومحيطها، وهو المعسكر الذي تطلب بناء مسجد.
بدأ الحلم الأندلسي يراود المسلمين منذ تمكن عقبة بن نافع من فتح الشمال الأفريقي، حتى وصل إلى المحيط الأطلسي سنة 62 للهجرة، وتحديدا إلى مدينة طنجة،
حين كان “يليان” يحكم المدينة، ولم يجد بدا من الاستسلام، بل ووضع نفسه أيضا في خدمة المسلمين، محتفظا لنفسه بمدينة سبتة المنيعة.
نهاية قرنين من الاحتلال البرتغالي لمدينة طنجة
وقع انقطاع كبير في كتابة تاريخ طنجة، ذلك أنها وبعد سقوطها تحت الاحتلال البرتغالي، جلا المحتل عنها جل سكانها المغاربة،
فغير الأوروبيون ما شاءوا أن يغيروه في معالم المدينة، فلما عاد إليها المغاربة المسلمون وجدوها خرابا واضطروا إلى بناء مدينة إسلامية جديدة،
وهو ما يفسر افتقار المدينة للآثار الأندلسية في عمارتها، رغم أنها أقرب المدن المغربية إلى الأندلس وأكثرها تأثرا به.
فبعد سقوط الأندلس واختلال ميزان القوى لصالح الضفة الشمالية للمتوسط، حاول البرتغاليون السيطرة على طنجة مع بداية القرن الـ15 للميلاد،
وذلك في سياق تمكن الأوروبيين من احتلال عدد من المواقع على السواحل المغربية.
كما تمكن البرتغاليون من إخضاع المدينة سنة 1471، ومكثوا فيها حتى سنة 1662، حين تزوج ملك إنجلترا “شارل الثاني”، بأميرة البرتغال “كاترينا”
والتي لم يكن صداقها سوى مدينة طنجة التي كانت تجسد أهمية كبيرة لبريطانيا لقربها من جبل طارق،
لكن سرعان ما اضطر الجيش البريطاني لمغادرتها، لحدة الهجمات المغربية عليها وارتفاع كلفة صيانة مينائها وحمايته.
وقد قاد السلطان العلوي المولى إسماعيل عملية الجهاد لتحرير طنجة من الوجود الإنجليزي، وكلف بتلك المهمة القائد الشهير علي بن عبد الله الريفي،
فقاد جيشه بنجاح إلى اقتحام قصبة المدينة والسيطرة على أبراجها، وذلك سنة 1684.
وبعد تخلصها من الاحتلال الأجنبي، عادت مدينة طنجة لتلعب دورا حيويا في التاريخ الحديث للمغرب، فتبوأت بسرعة مكانة العاصمة الدبلوماسية والبوابة الحضارية للمغرب،
ومنذ تمكن المغرب من طرد الأجانب من ثغوره -حين استرجع مدينة العرائش من الإسبان وطنجة من البريطانيين- تحولت مدينة طنجة إلى عاصمة دبلوماسية،
بدل مدينة تطوان التي كان يقيم بها نائب السلطان عادة.
.مدينة طنجة في مرمى الاستخبارات الاستعمارية
يعود الاهتمام الاستخباراتي الغربي الحديث بـ طنجة إلى وقت مبكر من القرن الـ19، فقد خلّف الجاسوس الإسباني “دومنغو باديا” -المعروف بلقب علي باي العباسي-
وصفا دقيقا لمدينة طنجة التي حلّ بها عام 1803، وكان قد بُعث إلى المغرب لإسقاط السلطان مولاي سليمان المتحالف مع بريطانيا من أجل جبل طارق.
والحقيقة أن الجاسوس الإسباني صادف بالفعل وجود السلطان المغربي في مدينة طنجة، لأن سفينة مغربية استولت على سفينة أمريكية،
فتدخل الأسطول الأمريكي لافتكاكها وأسر قائد السفينة المغربية وطالب بحضور السلطان شخصيا لإنهاء الموضوع من خلال تصديقه على المعاهدات المبرمة بين البلدين،
وهو السياق الذي يعني أن مقام السلطان كان بغرض معين وفي سياق متوتر.
فالعهد العلوي هو الذي تبلورت فيه شخصية مدينة طنجة كقاعدة متقدمة من قواعد المغرب الحضارية الكبرى كفاس ومكناس ومراكش،
وبالرغم من أنها لم تكن يوما عاصمة للمغرب، فإنها لعبت أدوار العواصم في بعض من أدق وأخطر المراحل التاريخية،
وتجسد ذلك في رحلات مشهودة قام بها سلاطين مغاربة إلى هذه المدينة لتأكيد سيادتهم عليها، مثل زيارة السلطان الحسن الأول أواخر القرن الـ19،
ورحلة شهيرة للسلطان محمد الخامس سنة 1947، وقد مثلت الشرارة الأولى لثورة عارمة ستنتهي باستقلال المغرب، لما كانت تمثله هذه المدينة من تقسيم وتفتيت للمغرب.
وقد استفادت مدينة طنجة من موقعها المطل على مضيق جبل طارق، خاصة بعد فتح قناة السويس المصرية عام 1869،
حيث ارتفعت الملاحة البحرية عبر المضيق، وراحت الشركات الأوروبية تحاول استقطاب السوق المغربية عبر ميناء طنجة بحثا عن زيادة مردودية خطوطها البحرية،
فأصبحت المدينة الميناء الأول للمغرب والمنفذ البحري الرئيس لعاصمة المملكة حينها، مدينة فاس.
عدوان فرنسي لى مدينة طنجة وحماية أمريكية
تعرضت طنجة في عهد السلطان عبد الرحمن لهجوم الأسطول الفرنسي، وذلك سنة (1260هـ/ 1844م)،
في مخطط للضغط على المغرب من أجل التخلي عن حماية المجاهد عبد القادر الجزائري، واستمر حصار المدينة ثلاثة أيام مع القصف المدفعي.
وظلت طنجة منذ ذلك الحين المدينة الأكثر أهمية عند الأوروبيين خلال فترة التدخل الأجنبي الذي سبق فرض الحماية. ففي سنة 1887 ميلادية،
شرع الإنجليز في مد أسلاك التلغراف بين طنجة وجبل طارق، ووقفت حكومة المغرب في وجه هذا العمل بشكل احتجاج،
درءا لما ينتج عن ذلك من طلب دول أخرى امتيازات مقابل ما قامت به إنجلترا.
وقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية منذ القرن الـ19، دورا بارزا في الدفاع عن استقلال مدينة طنجة وعدم خضوعها لسيطرة أي من القوى الأوروبية،
نظرا لموقعها الاستراتيجي المطل على مضيق جبل طارق.
برز الدور الأمريكي منتصف القرن الـ19 ضمن ما يعرف بالدول العشر المشاركة في معاهدة إنشاء وإدارة منارة “الرأس الأشقار”،
وهي منارة بحرية توجد في نقطة التقاء البحر المتوسط والمحيط الأطلسي،
فقد كانت واشنطن تقدم مساهمتها المالية بانتظام، لإبقاء إدارة المنارة شأنا دوليا محايدا، واستمر هذا الدور الأمريكي لغاية منتصف القرن الـ20.
مدينة طنجة عروس ترقص فوق حبل التوازن الدولي
لم تكن مدينة طنجة تتميز عن باقي مدن المغرب قبل فرض الحماية الفرنسية-الإسبانية على المملكة،
سوى بوجود مجلس صحي قام بتأسيسه بعض الأجانب وفقا لتفويض حصلوا عليه من السلطان سنة 1840،
ولجنة تابعة لهذا المجلس بدأت تقوم ببعض الخدمات البلدية في أواخر القرن الـ19.
ورغم أن الدول الأوروبية المعنية باحتلال المغرب كانت متفقة بشكل مسبق على تخصيص طنجة بوضع إداري خاص،
فإنهم لم يتوصلوا إلى اتفاق مفصل بهذا الشأن، إلا بعد 13 عاما من فرض الحماية على المغرب، أي سنة 1925.
وفي أواخر القرن الـ19، أصبحت مدينة طنجة البوابة التي حشد الاستعمار أمامها كل قوافله وكتائبه ومخططاته لينفذ منها إلى المغرب،
ويكتسحه سياسيا وإعلاميا وفكريا وتجاريا. وهكذا كان قدر طنجة أن تكون ساحة المعركة السياسية والدبلوماسية بين المغرب والدول الأوروبية،
وكانت هي العاصمة الفعلية التي أدار منها سلاطين مغاربة أمثال المولى الحسن الأول (النصف الثاني من القرن الـ19)
والمولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ (بداية القرن الـ20)؛ المواجهة السياسية مع الدول المستعمرة.
وقد حظيت طنجة بنظام دولي خاص بشكل سابق على فرض الحماية الأوروبية على المغرب،
فقد نص التصريح الفرنسي-البريطاني المشترك على إقامة هذا النظام،
وصادقت عليه إسبانيا لاحقا. كما نصت معاهدة الحماية التي خضع بموجبها المغرب للحماية الفرنسية سنة 1912،
على أن تحتفظ مدينة طنجة بالصفة الخاصة التي اعترف لها بها، والتي ستحدد تنظيمها البلدي.
لكن الاتفاق الثنائي الذي منحت بموجبه فرنسا منطقة خاصة شمال المغرب كي تخضع للحماية الإسبانية،
تحدث عن مدينة طنجة ومنطقتها كما لو كانت جزءا ثالثا من المغرب يختلف عن منطقتي نفود فرنسا وإسبانيا، بشكل جعل المدينة دولة داخل الدولة المغربية،
يستأثر بها خليط من الأجانب الذين كانوا يشغلون 18 مقعدا في المجلس التشريعي مقابل 6 مقاعد فقط للسكان المسلمين للمدينة وثلاثة مقاعد للسكان اليهود.
نظام مدينة طنجة.. صراع الدول الأوروبية الثلاث على عروس البحر
احتاجت فرنسا وإسبانيا وإنجلترا إلى أكثر من 60 اجتماعا للجنة خاصة شكلتها خصيصا لوضع نظام خاص بـ مدينة طنجة،
ومما ساهم في تأخير هذا الاتفاق اندلاع الحرب العالمية الأولى بعد سنتين من فرض الحماية على المغرب،
ولم يتوصل إلى الاتفاق النهائي إلا في أواخر 1923، ليتطلب حوالي سنتين من التصديق والتحضير كي يبدأ تطبيقه فعليا.
كان الأمر بمثابة نظام تشريعي إداري وقضائي مستقل، وقد التحقت به إيطاليا صيف العام 1928،
ولم تنضم الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذا الاتفاق إلا بعد الحرب العالمية الثانية،
حيث حصلت على حق تعيين أربعة ممثلين لها في المجلس التشريعي.
ورغم أن ظهيرا سلطانيا منح الحق نفسه للاتحاد السوفياتي بهدف الحفاظ على التوازن بين القوى الدولية، فإن الاتحاد لم يمارس هذا الحق فعليا.
أثناء قيام النظام الدولي لمدينة طنجة، سعت كل دولة من الدول الأوروبية الثلاث المؤسسة لهذا النظام،
إلى إلحاق المدينة بمجال نفوذها، حيث حاولت فرنسا إلحاقها بمنطقة حمايتها على المغرب، وحاولت إسبانيا إلحاقها بالمنطقة الشمالية التابعة لها،
ولم تدخر بريطانيا جهدا لمحاولة إلحاقها بمنطقة جبل طارق الخاضعة لسيادتها في الضفة الإسبانية من المتوسط.
امتد العمل بهذا الوضع القانوني الاستثنائي من سنة 1923 إلى 1956،
وبعدما تطلّب استرجاع المغرب لسيادته على المدينة اتفاقا خاصا مع الأوروبيين بعد انسحاب فرنسا من الجزء الأوسط وإسبانيا من الجزء الشمالي؛
تحوّل سنة 1963 إلى وضع ضريبي استثنائي يمنح الشركات الأجنبية إمكانية الاستثمار في المدينة المغربية مع امتيازات خاصة، وذلك بدءا من العام 1963.
ولم يكن لهذا الوضع الدولي الخاص لمدينة طنجة طابع سياسي فقط، بل انعكس على الحياة الفنية والثقافية للمدينة،
فباتت موطنا لأدباء مثل “تنيسي ويليامز”، و”ويليام بوروز”، و”بول بولز”، وزوجته الكاتبة “جين بولز”، و”جاك كيرواك”، و”إيرا كوهين”، و”بيتر أورلوفسكي”.
ومثل الإيرلندي- الفرنسي “صمويل بيكيت”، والإيطالي “ألبرتو مورافيا”، وزوجته الكاتبة “إلسا مورنتي”، والفرنسي “جان جينه”.. ناهيك عن عشرات
ومئات من الرسامين ونجوم فن الجاز والموسيقى مثل “راندي وستون”، و”ألدوك إلغتون”، و”برايان جونز”، ومجموعته الأسطورية الرولينغ ستونز.
ميناء المتوسط.. يقظة مدينة طنجة بعد سبات طويل
بعد حصول المغرب على الاستقلال وتخليص مدينة طنجة من الوصاية الدولية التي كانت مفروضة عليها،
بقيت هذه المنطقة الشمالية من المغرب تعاني التهميش بسبب ما شهدته من ثورات شعبية قوية في عامي 1958-1959،
مما جعل منطقة الريف الجبلية تحديدا توضع على هامش السياسات الوطنية طيلة عهد الملك الحسن الثاني.
صفحة طويت مع مطلع الألفية الجديدة، حين أصبحت المنطقة -وخاصة مدينة طنجة- محط اهتمام وعناية كبيرين،
بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها الواجهة البحرية المتوسطية للمغرب، بعد أن ظلت مهملة طيلة عقود الاستقلال الأولى.
وتتجلى أهمية المضيق الذي يطل عليه ميناء “طنجة المتوسط” في أن استعمار المغرب من طرف فرنسا وإسبانيا في بداية القرن العشرين لم يكن كافيا،
حيث فُرض على مدينة طنجة المطلة على المضيق وضع قانوني خاص جعلها منطقة دولية،
فهذا المضيق البحري الفاصل بين القارتين الأوروبية والأفريقية والبحرين المتوسط والأطلسي، يربط في الوقت نفسه بين الشرق والغرب،
وبين الشمال والجنوب، ويمرّ عبر مياه هذا المعبر البحري قرابة 20% من إجمالي التجارة العالمية، بينما يعبر قرابة ستة ملايين مسافر بين ضفتي المضيق سنويا.
وتزداد أهمية مضيق جبل طارق مع ازدياد حركة التجارة العالمية وحرص الدول الكبرى على حماية مصالحها الإستراتيجية،
فأكثر من مئة ألف سفينة شحن تجارية تعبر هذا المضيق سنويا، وتتركز في جنباته عدة قواعد عسكرية.
وتكفي الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك منذ 1960 قاعدة عسكرية قريبة من المضيق هي قاعدة “روتا”
والتي تعتبر بوابة عبور الأساطيل العسكرية الأمريكية نحو البحر الأبيض المتوسط.
هذا الاهتمام، توّجهُ المغرب بإقامة واحد من أكبر المنشئات البحرية في المتوسط، حيث أصبح ميناء طنجة، ابتداء من العام 2020،
الميناء البحري الأكبر في أفريقيا والسواحل المتوسطة شمالها وجنوبها، والمنفذ التجاري الأول للقارة الأفريقية،
مدينة طنجة المعبر الحتمي لسفن التجارة العالمية الرابطة بين أمريكا اللاتينية وأكبر موانئ العالم المبثوثة على سواحل آسيا.
المصدر: الجزيرة الوثائقية – مواقع إلكتروني