منوعات

شاب يرسم قصة نجاح خلال وقت قياسي في ألمانيا

شاب يرسم قصة نجاح خلال وقت قياسي في ألمانيا

في فبراير 2014 انطلق بشار في رحلة لجوء اضطرارية، بعدما صار مثل غيره من شباب سوريا مهددين بالخدمة العسكرية الإجبارية. لكنه لم يتوقع أن تتوج الرحلة بقصة نجاح يشيد بها كل من سمعها في بلد لم يخطط أبدا للوصول إليه. فما هي تفاصيل القصة؟ وبماذا تكللت؟

بشار هو شاب سوري تذوق طعم النجاح قبل سن الثلاثين، في بلد صعبت بيروقراطيته ولغته الحياة على آلاف اللاجئين والمهاجرين. وبدل أن يكون واحدا ممن تنهكهم حياة اللجوء وتفاصيله اليومية في بلد جديد مثل ألمانيا، تمكن من أن يصبح موظفا حكوميا، مهمته البحث عن سبل لمساعدة غيره من اللاجئين والمهاجرين على حل مشاكل وعراقيل تصعب عليهم الاندماج في سوق العمل الألماني.

بدايات موفقة!

بعد إقامته في تركيا لما يناهز سبعة أشهر، مرت فترة على أمل أن يستقر في عمل هناك ولا يبتعد كثيرا على أهله ممن لم يغادروا سوريا، اكتشف بشار حسب تصريحه لمهاجر نيوز أن الاستقرار في البلد المجاور صعب للغاية، وأن الظروف تحتم عليه المغادرة نحو أحد البلدان الأوروبية. وحدث ذلك في 14 سبتمبر/أيلول 2014، لتكون رحلة دامت أربعة أيام، مفتاح حياته الجديدة في ألمانيا.

“مما جعلني أختار ألمانيا عوض باقي البلدان الأخرى، أنها فتحت أبوابها للسوريين، وتواجدت بها أعداد كبيرة منهم في تلك الفترة، مما يعني أني لن أعيش منعزلا ووحيدا كما في بلدان أخرى”، يحكي بشار في تصريح لمهاجر نيوز. الأشهر الأولى أمضاها متنقلا من مركز استقبال إلى آخر، في انتظار الفرز النهائي وتوزيع الأعداد الهائلة من اللاجئين على المناطق المختلفة، “فكان من حظي أني بُعِثْتُ على مدينة بون”، يقول بشار.

مباشرة بعد وصوله بخمسة أيام، قررت عائلة ألمانيا استضافته في منزلها، ومن حظه أن أفراد العائلة سبق لهم أن زاروا سوريا قبل الحرب ويعرفون تفاصيل عن حياة السوريين. عاش بشار معهم ما يناهز سنة ونصف، خلالها ساعدوه على تعلم اللغة الألمانية وعاش رفقتهم تفاصيل الحياة الألمانية والعادات السائدة في المجتمع ودعموه بطريقة يصفها الشاب السوري بأنها “لا تُنسى”.

عزيمة قوية وتركيز على الأهداف!

خلال الفترة الأولى في ألمانيا كان بشار ينتظر البت في طلب لجوئه، الذي تمت الموافقة عليه بعد سنة كاملة. ورغم أنه لم يحصل على موافقة للانطلاق في دراسة اللغة، إلا أنه كان مواظبا على تعلمها، ووصل مستوى B1 بالاعتماد على الانترنيت والتعلم الذاتي فقط، مما مكنه من تجاوز مراحل دورة الاندماج بسرعة ونجاح.

بشار النحاس شاب سوري تمكن من بناء حياة ناجحة في مدة قياسية في ألمانيا. الصورة: خاصة
بشار النحاس شاب سوري تمكن من بناء حياة ناجحة في مدة قياسية في ألمانيا. الصورة: خاصة

كان هدف بشار إتمام دراسته الجامعية، ولأجل ذلك عمل بجدية على الوصول إلى مستوى C1 الذي يؤهله للدراسة في الجامعة، فاقترح عليه موظف في مركز العمل أن يقدم طلبا لبدء تدريب مهني إضافي في مجال المحاسبة، أي مجال دراسته في سوريا، وهو ما استجاب له بشار. مباشرة بعد ذلك حصل على تدريب لدى إحدى كبريات الشركات في مدينة بون مما مكنه من الاستغناء على مساعدات الاجتماعية كليا.

تزوج بشار في هذه الفترة واستقر أكثر، وفور إنهائه التدرريب وجد نفسه أمام خيارين جيدين، إما منصب محاسب في الشركة نفسها، أو موظف لدى الجوب سنتر بعقد توظيف مع بلدية بون مباشرة، فكان اختياره العمل كموظف لدى وكالة العمل.

وبرر بشار اختياره هذا بسبب ما يوفره هذا العمل من تواصل مباشر مع الناس كخاصية لا يوفرها العمل مع الشركة كمحاسب. وبسبب شخصيته الاجتماعية ولأن عمله سيمكنه من مساعدة أشخاص يبحثون عن توجيه وفرص تدريب وعمل قرر خوض التجربة، خاصة أنها فرصة لم يكن يتوقع أن تمنح لشخص لا يتوفر على الجنسية، التي حصل بشار عليها بعد سبع سنوات من تواجده في ألمانيا، أي بعد حصوله على فرصة العمل.

نقاط قوة في سيرة الأجنبي!

كونه أيضا من خلفية مهاجرة، صار عمله الجديد جسر تواصل مع فئة تمر بتجارب قد اطلع عليها بشار وعايشها عن قرب، وخبير جيد في المعاملات البيروقراطية والحلول التي يعتبر أهمها اللغة، فهي التي تسهل الحياة والتواصل بين زبائن وكالة العمل والموظفين حسب المتحدث.

يصف الشاب السوري لقاءاته الأولى مع هؤلاء المهاجرين واللاجئين بأنها قوبلت من قبلهم بكثير من الدهشة. “أن يجدوا موظفا يتحدث العربية داخل مكاتب الوكالة لم يكن أمرا مألوفا، وبعض الزبائن الذين تواصلت معهم هاتفيا لأول مرة ظنوا أنه مقلب، لكن بمجرد ما يتأكدوا حتى يسرهم الأمر كثيرا، لأن التواصل مع الموظف سيصير بالنسبة لهم أيسر باللغة التي يتقنونها، وسيتمكنون من شرح مشاكلهم بيسر ويعرفوا ما حقوقهم وما واجباتهم وهذا شق إيجابي في القصة”، يقول بشار.

لكن المتحدث الشاب لا ينفي أن هناك من الزبائن من لم يهمه هذا الأمر. “تصرف البعض بطريقة توضح عدم إرادتهم التقدم في حياتهم المهنية، هناك من يريد الاستفادة من المساعدات دون بذل جهد للتغيير والدراسة والعمل” يقول المتحدث. في مثل هذه الحالات، كان بشار يوضح وديا لهذا النوع من الزبائن – الذين كانوا من مختلف الأعمار لكنهم كانوا قلة قليلة حسبه – أن التعاون أفضل من مواجهة العواقب الإدارية، فمن استجاب منهم مر معه للحلول ومن لم يستجب فيشرح له أن الخطوات القانونية المقبلة لن تكون في صالحه.

الموظفون من خلفية مهاجرة حسب بشار يمثلون “جسر تواصل مع الزبائن وحلا من الحلول الفعالة، فتجاوز حاجز اللغة لأجل التواصل، وأيضا تفهم ما ينتج عن اختلاف الثقافة وكذلك الفهم الشامل للتجربة، يساعدهم في ربط علاقة فهم أفضل مع المهاجرين واللاجئين”. وأكد المتحدث أن “مثل هذه الوظائف في مختلف الإدارات الألمانية، لا تتطلب الحصول على الجنسية ليتمكن الشخص من الحصول عليها، فكل ما يحتاج إليه الشخص المعني بالوظيفة هو إقامة قانونية في ألمانيا وتحقيق الشروط الأكاديمية والمهنية المطلوبة”.

دروس من تجربة إيجابية!

“ألمانيا دولة منفتحة، تعطي الفرصة لكل مجتهد، فمن له إرادة وهدف فالموارد متاحة لمساعدته على تحقيق ذلك”، يقول بشار الذي يعتبر أن “من أهم مفاتيح النجاح في هذا البلد: اللغة، فكلما تحسنت كلما فتحت أمام المهاجرين واللاجئين أبواب أكثر وفرصا أكبر”. مشددا أن “العمل بسرعة لأجل الدخل المالي الكثير والسريع في ألمانيا ليس الطريق الصحيح، فكلما عمل الأشخاص على تقوية تكوينهم ولغتهم سيحصلون على فرص أفضل وأكثر أريحية وبمدخول مادي أفضل”.

وشدد بشار أنه “على اللاجئين اعتبار ما تقدمه ألمانيا من مساعدات فرصة وليس واجبا عليها، وعليهم الاجتهاد في سبيل الاستفادة منها من أجل تطوير أنفسهم ورد الجميل للبلد الذي استضافهم ووفر لهم الأمن والأمان. كما أن الصبر ضروري للوصول إلى الهدف، وتعلم اللغة والانفتاح، ومعرفة الحقوق والواجبات، والابتعاد عن الأشخاص السلبيين وعدم التأثر بالقصص السلبية”.

وختاما، أوضح بشار في رده على سؤال إمكانية التفكير في العودة إلى سوريا بالقول إن “سوريا تبقى الأصل وذكريات الطفولة والوطن ولا يمكن نسيانها، لكن ألمانيا أيضا منحتني الشيء الكثير، وأسست فيها حياة جديدة. لقد تعلمت وتطورت وعملت وتزوجت وصار لي ابن في هذا البلد، أي أني طوال سبع سنوات ونصف كنت أحاول الاستقرار، ومن الصعب التفكير في العودة، لأن ذلك يعني البدء من الصفر مرة أخرى، وهو أمر صعب للغاية بعد كل هذا الجهد لأصير جزءا من المجتمع الجديد”.

ماجدة بوعزة.. مهاجر نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock