جيـ.ـش عظيم.. تركيا إلى قارة جديدة
رصد بالعربي // متابعات
جيـ.ـش عظيم.. تركيا إلى قارة جديدة
تبرز الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي من إشرافه على بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندي أولًا، واشتراكه مع اليمن في الإطلالة المباشرة على خليج عدن، ومضيق باب المندب.
وثانيًا: من المساحة البرية، التي تمثل هي الأخرى نقطة الانطلاق من المياه الدافئة إلى البر، وصولًا إلى قلب إفريقيا؛ الأمر الذي يمثل نقطة الوصل بين البر والبحر معًا.
وهذا ما يفسر تاريخ الصراعات الاستعمارية المحتدمة حول المنطقة منذ قرون طويلة بهدف السيطرة عليها، ما جعل منطقة القرن الإفريقي منذ القدم وحتى اليوم هدفًا من أهداف الطامعين.
ويُعدُّ الصومال البوابة الرئيسية للقرن الإفريقي لما يحظى به من موقع استراتيجي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وكونه ممرًّا رئيسًا للطاقة والتجارة الدولية.
كما يمثِّل الصومال بؤرة حيوية لمنطقة القرن الإفريقي؛ فمن استطاع السيطرة على الصومال يمكنه أن يتحكم من خلاله في القرن الإفريقي كاملًا.
تزامن مجيء تركيا إلى الصومال في مرحلة حساسة لتحسين معالم هذا البلد المضطرب، وكان الصومال بأمسِّ الحاجة إلى كل من يمدُّ له يد المساعدة للخروج من محنته، مع تزاحم اللاعبين الإقليميين والدوليين في الساحة.
وفي هذه الورقة نحاول أن نتناول دلالات إنشاء هذه القاعدة العسكرية التركية في مقديشو، وتداعياتها على الصومال، ومدى تأثيرها على اللاعبين الإقليميين خصوصًا في ظل التـ.ـنافس الإماراتي-التركي على الصومال، ومستقبل الصومال في ظل التواجد العسكري التركي على أراضيه.
هل سيكون الصومال بوابة تركيا إلى إفريقيا؟
وصلت تركيا إلى الصومال في وقت انشغل فيه العالم أجمع عن المجاعة والمأساة الإنسانية التي يعيشها الصومال، وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أول زعيم، يشغل منصب رئيس دولة، يزور الصومال، في أغسطس/آب 2011
فاتحًا الباب أمام مساعدات إنسانية واقتصادية وتنموية تركية غير محدودة للصومال، وصلت ذروتها، بالتوقيع على اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
وترافق هذا الزخم الإغاثي التركي مع مسار تنموي اتخذ أوجهًا عدَّة؛ ففي المجال التعليمي، فتحت تركيا أبواب جامعتها لآلاف الطلبة الصوماليين من خريجي مدارس وجامعات الصومال عبر برنامج المنح الحكومية وعبر منح خاصة أخرى.
ومن جهود الإغاثة التركية ترميم مستشفى “ديكفير” الذي يُطلق عليه حاليًّا مستشفى “أردوغان” في العاصمة الصومالية، مقديشو، وتم افتتاح المستشفى أثناء الزيارة الثانية التي قام بها أردوغان إلى الصومال في يناير/كانون الثاني 2015.
ويعمل بهذا المستشفى طاقم طبي مكوَّن من تسعين طبيبا تركيًّا، ومائتي طبيب صومالي من بينهم ثمانية عشر طبيبًا متخصصًا. وإلى جانب الكوادر الطبية يستقبل المستشفى مرضى من الصومال ومن الدول المجاورة كذلك مثل كينيا وجيبوتي.
كما أن العلاقة بين تركيا والصومال بحسب موقع دراسات الجزيرة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمصالح الاقتصادية للشركات التركية التي تسعى إلى تطوير وإدارة البنية التحتية في الصومال، وقدَّمت أيضًا الشركات التركية خدمات غير قليلة في مدينة كسمايو الساحلية الجنوبية، إضافة إلى رحلات الخطوط الجوية التركية المستمرة بين مقديشو وإسطنبول.
غير أن العلاقات بين البلدين لم تتوقف عند هذا الحد، بل أصبح الصومال ثاني دولة تستضيف قاعدة عسكرية تركية خارج أراضيها، بعد إعلانها إنشاء أول قاعدة عسكرية لها بالخارج في قطر، وقد عملت الحكومة التركية على تدريب وتأهيل الآلاف من قوات الجيش والشرطة الصومالية.
نظرة جديدة
حتى قبل سنوات قليلة لم تكن تركيا تملك قواعد عسكرية خارج أراضيها ما عدا الوجود العسكري في شمالي قبرص الذي يعود لعام 1974 عندما أرسلت تركيا آلاف الجنود إلى الجزيرة بحجة حماية الأقلية التركية هناك.
وهي الخطوة التي ألقت بظلالها لسنوات عديدة على علاقاتها مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية التي لم تعترف بجمهورية شمال قبرص التي أعلنتها تركيا من جانب واحد.
قواعد تركيا في سوريا والعراق لها دور وظيفي محدد وهو مرتبط فقط بمنع أكراد سوريا من تحقيق أي نوع من الاستقلال أو الحكم الذاتي وهذا موقف الدولة التركية منذ ولادة الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك قبل نحو قرن.
كما تهدف هذه القواعد إلى التصدي لنشاط عناصر حزب العمال الكردستاني سواء في العراق أم في سوريا ونقل الحرب إلى هناك بدلاً من مواجهتهم داخل تركيا.
ويمكن لهذه القواعد بحسب ترك برس أن تقوم بوظيفة ردع القوى والأحزاب الكردية في سوريا والعراق عن التفكير في الانفـ.ـصال عن سوريا أو العراق وهو ما تجلي خلال الاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان العراق عام 2017، إذ سارعت أنقرة إلى التعاون مع بغداد وفرضـ.ـت حـ.ـصاراً برياً وجوياً على الإقليم.
وبعد عام 2010 بدأت القوات المسلحة التركية تولي اهتماما خاصا بدورها الدولي، والتعاون بشكل وثيق مع الجيوش الأخرى، وزيادة حضورها على الساحة العالمية.
ولذلك وقع الجيش التركي اتفاقيات تعاون عسكري مع 68 دولة، ما يجري مفاوضات لاتفاقيات مماثلة مع 41 دولة أخرى. وفي عام 2009 بلغ عدد العسكريين الأجانب الذين يحصلون على التدريب ودورات مهنية خاصة في تركيا 1278، وفي عام 2015 ارتفع عددهم بنسبة 270% ليصل إلى 3355.
وفي عام 2009 كان لتركيا 53 ملحقا عسكريا في الخارج، وفي عام 2014 ارتفع عددهم بنسبة 52% ليصل إلى 81 ملحقا عسكريا.
ومن الجدير بالملاحظة أن صادرات الصناعات العسكرية التركية ارتفعت بنسبة 98% من 832 مليون دولار في عام 2009 لتصل إلى 1.65 مليار دولار في عام 2014.
نحو غرب إفريقيا
رابع المحطات العسكرية للقواعد التركية اتجهت نحو الغرب الإفريقي واختارت جمهورية النيجر مقراً لها، ففي يوليو/تموز من العام الجاري، وقعت تركيا اتفاقاً مع حكومة النيجر على إنشاء قاعدة عسكرية برية وجوية تهدف لتـ.ـدريب جيش النيجر وتزويده بالسلاح، فضلاً عن اشتمال الاتفاقية على بنود حول تطوير قطاعات النقل والبناء والطاقة والتعدين والزراعة وغيرها.
تمدد دبلوماسي أيضاً
من جهته يرى المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو لـ”عربي بوست”، أن هذا حق طبيعي لتركيا، وأن إفريقيا هي القارة التي لم تُستغل بشكل صحيح بما يضمن الحفاظ على ثرواتها باعتبارها القارة الخام، الغنية بمواردها وتهيمن عليها دول غربية تنهب ثرواتها.
وأضاف: “تعاني إفريقيا من السياسات الاستعمارية والاستعبادية التي طالت حتى العنصر البشري، والتي استخدمتها معها مثلاً، هولندا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، لذا لابد من بدء تأسيس تعاون مع الدول الإفريقية المختلفة، تعاون مبنيّ على المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة”.
وأردف: “لذا فتركيا لها هذا الحق الطبيعي، وهذا يتجلى في ارتفاع عدد السفارات التركية في إفريقيا من 12 سفارة إلى 42 سفارة.
وهي ماضية في ازدياد، وكذلك هناك تطوير وزيادة دائمة لرحلات الطيران مع إفريقيا لتطوير العلاقات التجارية والسياسية والاقتصادية، ليربح الجميع وليس طرفاً واحداً فقط”. وفق موقع عربي بوست
وحول التوسع في إنشاء قواعد عسكرية وماذا تريد تركيا من غرب إفريقيا، أكد كاتب أوغلو أن تركيا لها الحق كدولة ذات سيادة، في أن تتعاون مع من تريد ومن لا تريد، بل هي أتت إلى إفريقيا متأخرة، لكن أن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي.
واعتبر أن العلاقات الاستراتيجية البينية التي تحكم المنطقة ذات أثر كبير في قضية الثروات الطبيعية والثروات المائية والممرات المائية، فهناك دولة مثل السودان لها إطلالة قوية على البحر الأحمر وكذلك جيبوتي وإريتريا والصومال.
المصادر: موقع الجزيرة للدراسات + ترك برس + عربي بوست