ضجة في المغرب… اكتشاف كنز أثري هائل في مدينة بسلا والخبراء يتوقعون العثور على مفاجأة كبيرة
ضجة في المغرب… اكتشاف كنز أثري هائل في مدينة بسلا والخبراء يتوقعون العثور على مفاجأة كبيرة
تاريخ منسي تحكيه بقايا وبنيات أثرية اكتشفت بسلا، تعود إلى العصر المريني، وقد تكون بنيت في العصرين المرابطي أو الموحدي، وجدت صدفة خلال أشغال تهيئة مدينتها العتيقة.
وتجري هذه الحفريات منذ شهر بإشراف المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث والمديرية الجهوية لقطاع الثقافة بجهة الرباط سلا القنيطرة، مع الاستعانة بشركة مختصة في المجال.
وقسم الفريق المشرف على الحفريات المراحل التي مر منها هذا الموقع الموجود تحت الأرض إلى أربع، كان في بدايتها مخزنا سريا للدولة للحفاظ على المؤونة، ثم سجنا للأسرى الأجانب، ثم سوقا ومكانا للنسيج، فمكبا لأتربة ونفايات الساكنة السلوية، إلى أن اكتشفت قيمته التاريخية بعد الوقوف على بنياته الأثرية في إطار أشغال إعادة تهيئة المدينة العتيقة.
ووفق ما عاينته جريدة هسبريس الإلكترونية، فإن عملية تفريغ الموقع الأثري من الأتربة المتراكبة مستمرة، بعدما ظهر جزء كبير من معالم الموقع؛ وهو ما يرافقه جمع وتصنيف للقى التي بقيت حبيستها، واستمرار في النقاش حول مدخله، وطرق التعامل مع مكوناته.
في هذا السياق، يقول لحسن تاوشيخت، رئيس فريق البحث الأثري رئيس شعبة الآثار الإسلامية بمعهد الآثار والتراث، إن هذا الاكتشاف “كنز أثري جديد غير مسبوق وغير معروف بمدينة سلا وباقي الحواضر والعواصم المغربية الكبرى، لضخامته ودقة بنائه”.
ويضيف عالم الآثار في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “يعود هذا الموقع إلى الفترة المرينية، ولا يستبعد من خلال شكل البناية وهندستها أن يعود إلى الفترة الموحدية، أو حتى إلى المرابطين المعروفين بمثل شكل البناء هذا، خاصة أقواسه”. ثم استدرك قائلا: “لم نجد أدلة مادية بعد؛ لكن نقارن بين شكل البناء وهندسته، وما عثر عليه في أماكن أخرى مجاورة مثل “الأوداية” في الرباط”.
خلال الفترة الأولى من حياة الموقع الأثري، يقول تاوشيخت إنه بوصفه “بناية ضخمة متينة”، كان يستوجب “نفقات كثيرة، وعناية فائقة”، وبالتالي لم يكن سيشيد “إلا بأمر سلطاني”. كما أنه بني تحت الأرض “بشكل خفي، لضمه بعض المواد المهمة والأساسية لحياة السكان. ولا يمكن أن تلاحظه أي عين خارجية”.
ويزيد: “كانت له أهمية كبرى، فيمثل مخزنا للمواد الغذائية الضرورية للعيش اليومي لساكنة سلا، هذه المدينة التي تعرضت للعديد من الأوبئة والمجاعات والحصارات، وبالتالي كان من اللازم بناء مثل هذه البناية للحفاظ على المؤن الغذائية، وتأمين الغذاء للسكان”.
ويضيف المصرح: “نجد مثل هذه المخازن الجماعية في الأطلس الكبير وفي سوس بدرجة أولى، حيث كانت مكانا لخزن المواد الغذائية بشكل جماعي مع تخصيص مكان لكل عائلة؛ بينما هذا مخزن جماعي في حاضرة، المسؤول عنه هو السلطة الحاكمة، سواء من طرف المحتسب الذي يشرف على كل ما يجري في المدينة من بناء ونظافة وتأمين وأسواق وغيرها، إلى جانب أمناء الحرف الذين كانت علاقتهم به يومية، لتدبير شؤون المدينة، وتأمين كل حاجيات الساكنة”.
وتعود الفترة الثانية من حياة الموقع إلى القرنين الـ16 والـ17 الميلاديين، وفق رئيس فريق البحث الأثري، حيث “تحولت وظيفته إلى سجن للأسرى الأجانب المعتقلين بالسواحل المغربية، في فترة “الجهاد البحري” أو ما يسميه الغرب “قراصنة سلا”، حيث كان يرافق محاربة الأجانب الذين يحاولون السيطرة على الشواطئ المغربية، أسر بعضهم، وكان هذا مكانا لسجنهم، وهو ما وجدنا دلائل عليه بنقوش أسماء أجنبية مكتوبة بحروف لاتينية وبجانبها التاريخ 1671، وهي الفترة التي أصبحت فيها سلا تحت نفوذ الدولة العلوية”.
ويفيد المصرح بأن هذه الفترة من القرن السابع عشر الميلادي قد شهدت، وفق نصوص تاريخية، عملية تبادل للأسرى بين الدولة المغربية ودول أجنبية مثل إسبانيا وهولندا وفرنسا.
أما المرحلة الثالثة، فصار فيها هذا الموقع “فندقا” لتسويق المنتوجات المحلية وصناعة بعض الأنسجة من زرابي وحصائر، ليصبح بعد ذلك “مطرحا للأتربة والأزبال؛ ففي كل مدينة عتيقة من الصعب أن نجد أماكن خاصة بالمطارح لبقايا البناء والأزبال، فاستغل هذا المكان المخفي غير المعروف والشاسعة مساحته مطرحا لبقايا الأتربة والأزبال”.
ويذكر لحسن تاوشيخت أن هذا الموقع قد اكتشف بالصدفة، بعدما كان مكانه مطروحا لمشروع بناء مركز للتعريف بالتراث الحضاري والثقافي لمدينة سلا، يدخل في إطار المسار السياحي والتنشيط السياحي للمدينة.
ويقول عالم الآثار إنه بعدما حفرت أسس المكان “عثر بالصدفة على هذه القاعات المقببة (شكل القاعات تحت الأرضية)، ومن حسن الحظ أننا استدعينا كفريق أثري للقيام بحفريات إنقاذ استمرت منذ شهر، وأعطت نتائج مهمة، وأكدت أن الموقع في حاجة إلى الترميم والصيانة وإعادة التوظيف”.
ومن المرتقب، حسب رئيس فريق البحث الأثري، أن يدمج هذا الموقع، بعد ترميمه وصيانته، “داخل الفضاء الثقافي السياحي للمدينة، لعرض كل ما اكتشفناه من لقى أثرية، وعرض بعض الأشرطة ربما، واستغلاله في أنشطة أخرى، ليصبح معها مكانا لذاكرة سلا، ولينشطها من الناحية الثقافية والسياحية”.