سحر الافارقة الاسود، أسرار أخطر الطقوس و الممارسات في الكون!..صور وفيديو
رصد بالعربي – متابعات
سحر الافارقة الاسود، أسرار أخطر الطقوس و الممارسات في الكون!..صور وفيديو
مرض عضال أم تجارة كاسدة؟ وظيفة متعثرة أم عريس لم يظهر بعد؟ اختبار جامعة، تأشيرة نحو أوروبا، مباراة كرة قدم. كل الأمراض والمشاكل والأحلام، دواؤها وحلها وتحقيقها في لومي، عاصمة توغو، وعاصمة الشعوذة أيضا.
إنها لومي، مدينة جميلة ناعسة بوداعة على ساحل الأطلسي، يزين شواطئها نخيل جوز الهند وأشجار الببايا، وبالإضافة إلى جمال طبيعتها وطيبة شعبها، تختص بسوق من أغرب الأسواق في العالم.
في هذا السوق، ستجد مسحوق حرباء، جمجمة فرس، كف غوريلا، ضرس تمساح، قدم فيل، ريشة غراب، رأس ثور، قرن أيل، شعر أسد، كوبرا مجففة، فراء دب، وغيرها من أطراف مختلف الحيوانات. وهذه الأشياء هي بالضبط العلاج الفعلي لما يصيب الناس من أمراض ومشاكل اجتماعية ومالية وحتى تحديات سياسية.
هذا ما يعتقده كثير من الناس في هذه البلاد وبلدان أخرى مجاورة، ويشاركهم في هذا الاعتقاد أصحاب هذا السوق بالطبع، وهم رجال غريبو الأطوار، يدعون إتقان طلاسم هاروت وماروت وحيازة أسرار النجوم التسع، وقراءة العيون والأكف، فضلا عن الفناجين!. اتخذوا من عاصمة توغو لومي عاصمة عالمية للشعوذة، فأسسوا أكبر سوق مخصص لمواد السحر و”العلاجات الشعبية”، منذ أكثر من قرن ونصف، وكان حينها داخل حدود مملكة داهومي (بينين حاليا)، إنه سوق أكوديسيوا أو سوق الشعوذة، أو سوق العلاجات الشعبية كما يفضل أصحابه تسميته.
مكان تقديم القرابين للفودون غو إله الحديد الذي يقول أصحاب السوق أنه يحمي السوق (الجزيرة)مكان تقديم القرابين للفودون غو إله الحديد الذي يقول أصحاب السوق أنه يحمي السوق (الجزيرة)
كان داكو دليل السوق جالسا تحت شجرة تتوسط الساحة، حينما كان أحد المعالجين منكبا على تدليك ركبة أحد الزوار وتعريضها لدخان من مبخرة صغيرة. أخبرني داكو حين سألته أن الشاب لاعب مقبل على مباراة كرة قدم، ويريد العدو بسرعة أكبر، وهذا ما يساعده عليه المعالج.
وسألت داكو عن فوائد الحيوانات المعروضة، فقال “الطيور عموما تعالج مشاكل الإنجاب والخصوبة، وكف الغوريلا يزيد الرزق، أما رأس الأرنب فيقوي الذاكرة، وهناك أشياء مختلفة لجميع أنواع الأمراض والمشاكل”. وحين سألته عما إذا كانت هنالك أبحاث علمية تثبت جدوى هذه المواد، أجابني “في ديانة الفودو، نؤمن بأن كل المخلوقات مقدسة، وكلها تمتلك قدرات علاجية، سواء حية أو ميتة، وينبغي فقط معرفة مجال نفع كل واحدة منها”.
وسألت داكو عن أكثر الزوار ترددا على السوق، فقال “يأتي التجار لتنشيط تجارتهم، ويأتي الطلبة لتقوية ذاكرتهم قبيل الامتحانات، كما تأتي الفتيات لجلب أزواج جيدين لهن. لكن أغرب زائر كان لدينا، هو سياسي طلب خاتما لكسب الانتخابات في إحدى البلديات!”.
تنتشر ديانة الفودو في توغو و تعتبر ديانة رسمية في بينين، وقد وصلت إلى أميركا اللاتينية عبر سفن العبيد، ويعتقد أتباع ديانة الفودو أن هناك آلهة متعددين، أربعين أو أكثر، ولكل إله تخصص محدد.
ويؤمن أتباع هذه الديانة بأن لكل إله مشعوذين يختارهم للتواصل مع المؤمنين. قال لي داكو “إنك لا تصبح مشعوذا، وإنما تولد مشعوذا”، فسألته هل ولد هو مشعوذا، فقال “والدي كان مشعوذا كبيرا، ولكن للأسف لم تخترني الآلهة لأكون وريثا له، ولكني أتوقع أن يكون أحد أبنائي كذلك”.
خلف بعض الطاولات، كان هناك فتيان صغار، سألت أحدهم عما يفعله هنا، فأخبرني بأنه في طور التعلم، فقلت له “لكن المرء لا يصبح مشعوذا وإنما يولد كذلك” فضحك داكو معلقا “صحيح، ولكن الذين يولدون مشعوذين يحتاجون صقل مهاراتهم”.
في طرف السوق، كانت هناك مبخرة كبيرة زرعت فيها مباخر معدنية صغيرة، وكان عليها رماد وبقايا طيور محترقة. سألت داكو عن وظيفة هذه المبخرة، فقال “هنا تقدم القرابين لإرضاء (الفودون غو)، أي إله الحديد، فهو الذي يحمي السوق. وفي كل صباح يقوم أحدنا بوضع قربان صغير، ومرة كل سنة يُقدَّم قربان كبير، خروف أو بقرة، حسب الاستطاعة، وأحيانا يأتي بعض الناس بالقرابين، إذ يعتبرون استمرار السوق دليلا على رضا الأرواح والآلهة”.
وبينما كنت أتجول أمام الدكاكين، رأيت مجسمات صغيرة عليها دبابيس، وسألت داكو عن ماهيتها، فقال “هذه تقنية علاجية، شبيهة بتقنية الوخز بالإبر الصينية، لكنها أكثر روحانية، حيث لا تحتاج أن تلمس جسد المريض بالدبابيس، وإنما يكفي أن تضعها على المجسم الخشبي”.
سوق الشعوذة هذا، ليس مجرد سوق تجاري، وإنما يعتبر معبدا أيضا، فهنا يأتي أتباع ديانة الفودو ليتواصلوا مع الآلهة ويطلبوا عونهم، ولكي يفعلوا ذلك، فهم بحاجة للمشعوذ الذي يكون قناة تواصلهم مع الآلهة، وهذه الخدمة يقدمها المشعوذ مقابل ثمن معين.
كان بالإمكان العثور على جمجمة الإنسان أيضا في هذه السوق لكن اليوم توجد فقط جماجم الحيوانات غير المحمية (الجزيرة)كان بالإمكان العثور على جمجمة الإنسان أيضا في هذه السوق لكن اليوم
وسألت داكو عن ثمن خدمة الاتصال بالآلهة في ديانة الفودو، فقال “المشعوذ ليس هو الذي يحدد الثمن، وإنما الآلهة نفسها، فعندما يعد المشعوذ الليبغو (لوحة الاتصال بالآلهة)، يقدم المؤمن الثمن على اللوحة نفسها، فإذا قبلت الآلهة الثمن ألهمت المشعوذ ليوصل رسالتها للمؤمن، وإن لم تقبل فعلى المؤمن أن يرفع الثمن ثم يعيد المشعوذ المحاولة، إلى أن ترضى الآلهة”.
فسألت داكو “ولكن ماذا لو استغل المشعوذ الأمر وتظاهر بعدم وصول الرسالة ليحصل على مزيد من المال؟” فأجابني “لا يمكن للمشعوذ أن يفعل ذلك، لأنه إن فعل ستغضب عليه الآلهة وسيحصل له مكروه لا محالة”.
في البداية، كان السوق في بينين، ولكن صاحبه -الذي كان مشعوذا ورجل أعمال أيضا- رأى أن أسواق الشعوذة كثيرة في بينين، بينما يوجد نقص في توغو، فنقله إلى هنا بداية القرن العشرين، ونقل أول الأمر إلى السوق الرئيسي في لومي، سوق أسيغامي، ولكن قبل سنوات، رأت السلطات أن الأبخرة المتصاعدة من القرابين المقدمة قد تؤذي صحة المتسوقين وتلوث المواد الغذائية المعروضة، فقررت نقله إلى إحدى جنبات المدينة، حيث لا يزال موجودا إلى الآن.
قبل أن أغادر السوق، سألت داكو هل يؤمن حقا بجدوى هذه المعروضات؟ فاقترب مني وهمس “أنا مسلم واسمي حسين، وأنا هنا لكسب رغيف العيش فقط”.
المصدر : الجزيرة