أخبارنا

ساجد الكسابرة .. من طفل لاجئ في ألمانيا إلى أهم مستشار مالي

وصل إلى ألمانيا صيف عام 2014، سلك طريقا يعتبر من أخطر طرق الهجرة في العالم في السنوات العشر الأخيرة، فقد اتجه صوب ليبيا قبل أن يقطع المتوسط نحو إيطاليا. لكنه اليوم صار مستثمرا ناجحا في ألمانيا يطور ذاته ومشاريعه دون أن يتنكر لبلده. ما قصة ساجد الكسابرة؟ وما الذي يميز طريقة ارتباطه ببلده الأم بعد قصة لجوء خطيرة تكللت بالنجاح؟

تطلب الوصول إلى ألمانيا أشهرا، ولم تكن بالرحلة اليسيرة، خلالها اعتقل ساجد الكسابرة، في ليبيا لما يناهز ثلاثة أشهر من قبل عصابات الاتجار بالبشر، ولم يفلت من قبضتهم إلى بعد أداء مبلغ مالي مقابل حريته.

المخاطر لم تتوقف هنا، فقد اضطر الشاب السوري الفار من الحرب في بلده، إلى خوض رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر، عبر في قارب من قوارب الموت من سواحل ليبيا نحو إيطاليا، آملا في الوصول حياً إلى الجنة الموعودة، الفردوس الأوروبي.

بدايات لم تخطر على بال!

لم يأتي ساجد الكسابرة مثقلا بحزن وانكسارات فقط، خاصة أنه ما كان ينوي المغادرة قبل الحرب، بل كان يأمل في خدمته وتطوير سوريا من الداخل، بل ظل اعتزازه بالانتماء لسوريا وامتنانه لبلده قويا، ولو أن القدر حكم بغير ما تمناه، إلا أنه لم يتخل عن حب خدمة وتطوير الوطن وأهل البلد.

وهو يستقل قطاراً من الحدود الإيطالية نحو ألمانيا، لم يكن الكسابرة يتخيل أنه قد يصير يوما ما هو عليه في بلد لم يكن يتقن لغته حتى، لكنه قطع وعدا على نفسه “إذا حققت يوما نجاحاً، فلن أنسى من هم في حاجة للمساعدة، وسأساعد دائما في بناء الإنسان في سوريا”، يقول ساجد في تصريح لمهاجر نيوز.

صورة خاصة لساجد الكسابرة خلال عبوره البحر انطلاقا من ليبيا نحو إيطاليا
صورة خاصة لساجد الكسابرة خلال عبوره البحر انطلاقا من ليبيا نحو إيطاليا

بعد أكثر من أربعة أشهر في مخيم لاستقبال اللاجئين، كان من حظ ساجد أن أسرة ألمانية تعاطفت معه، ودعته للعيش معها في غرفة خاصة بالمنزل، بمبلغ رمزي حسب وصفه، ثم انطلق في رحلة تعلم اللغة الألمانية، ليلتحق بعد ذلك بالمجال الأكاديمي ثم ينخرط في تدريبات مهنية متعددة، من بينها التدريب في مجال عمله حالياً، الاقتصاد وتخصص في مجال محاربة غسيل الأموال.

خلال فترة بنائه الحياة من جديد، امتهن ساجد مهنا بسيطة ساعدته على الحصول على مورد مادي، وتسلح برغبته في عدم الاعتماد على المساعدات التي تخصصها السلطات للاجئين، معتبرا أنه أمر لا يقبله. وبعد حصوله على وظيفة استمر فيها لما يناهز أربع سنوات، قرر أن يؤسس مشروعه الخاص، ومن هنا انطلقت رحلة النجاح.

الكجة.. شارة نجاح بألمانيا وعربون وفاء لسوريا!

يملك ساجد اليوم شركتين تنظمان خمسة أنشطة تجارية، كما أنه مستثمر في مشاريع أخرى، “لم أخف من خوض المغامرة، لأني لا أرى في نفسي شخصا مقيدا بنمط العمل التقليدي، أو الوظائف الأكاديمية، وهذه الطريق التي رسمتها لنفسي مستوحاة من الثورة السورية، نحن كنا نريد التغيير، فلما لا نبدأ بأنفسنا. الموظف صعب أن يحدث تغييراً، لكن رجل الاقتصاد ورجل الأعمال يمكن أن يغير الكثير”.

“كان النجاح حليفي في هذا الاختيار، لأنني أحب مجال الاقتصاد كثيرا، حيث أصبحت شركة الكجة تنمو بنسبة 350 بالمئة سنوياً ، وهذا أمر مفرح بالنسبة لي عندما أرى أن عدد المستفيدين من خدماتنا أصبح أكثر من 6000 شركة حول العالم”، يقول المتحدث.

وعندما سألناه عن معنى اسم الشركة، رد الشاب السوري، بأن الكجة “هي كلمة يستعملها أهل حوران لوصف الحصالة أو المطمورة، وهي تسمية خاصة للشركة امتنانا للمكان الذي جئت منه”. ويوضح الكسابرة سبب اختياره لمصطلح غريب ونادر بقوله “لأننا نوفر في شركتنا على الناس الكثير من المال خلال محاولتهم الانطلاق في الاستثمار أو إنشاء مشاريعهم التجارية، كما أن رواد الأعمال يوفرون عن طريقنا الكثير من الوقت ودراسة السوق والقوانين والكثير من الأشياء، لهذا نرى الاسم مناسباً.

كانت الأعمال الخيرية التي تمولها الكجة اليوم، من العهود التي تعهد بها الكسابرة على نفسه وهو يغادر البلد نحو المجهول، إذ يؤكد أنه وعد نفسه برد جميل بلده بعد أي خطوة نجاح سيحققها إن كتب له نجاح في الغربة. كيف أعدل اتجاه أبناء وطني بعد أن صار حالي أفضل بعد اللجوء؟” يتساءل الكسابرة ويجيب في الآن ذاته قائلا “أولا أشتغل على المدى الطويل على أمل أن يتحقق العدل المطلق في سوريا وتختفي المحسوبية والرشاوي عبر الانفتاح على تجارب الاقتصادات الأخرى مثل الاقتصاد الألماني مثالاً، ونقل التجربة لبلدي لاحقاً. والأمر الثاني أن أخصص جزء من أرباح الشركة لدعم الأطفال السوريين”.

تحقيق هذين الهدفين، جعل الكسابرة يخصص للأعمال الخيرية قسما على موقع الكجة الرسمي، أطلق عليه اسم قسم الإيثار، يتوصل هذا القسم كل شهر بـ 10 بالمئة من الأرباح التي تحققها الشركة. يقول المستثمر السوري الشاب “هذا الجزء لا يتجزأ من عملنا، فدعم الأشخاص الموجودين في سوريا واجب”.

وأكد ساجد في تصريحه لمهاجر نيوز أن “الأطفال الذين تم تبنيهم من طرف الشركة في سوريا إلى حدود اليوم، وصل عددهم إلى 11. أما الجزء المتبقي من المال، فقد خصص لدعم مشروع تعليم الأطفال في جو من التعايش وتقبل الاختلاف، حتى لا تتكرر لدى الأجيال اللاحقة أزمة الاقتتال الداخلي بسبب الاختلاف الديني والسياسي في سوريا”.

إضافة إلى ذلك، “أي طالب عليه ديون متراكمة في الجامعة ولم يستطع التخرج بعد بسببها تدفع الكجة دينه ليتمكن من إتمام مساره الأكاديمي، وأحيانا تخصص أموال قسم الإيثار للمساعدة في حال وقوع أزمات في إحدى المناطق السورية، سواء بسبب الحرب أو الكوارث الطبيعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock