ذُهـ.ـل به كسرى وأقسم أن لا يقف عن الثـ.ـأر لابنه حتى تكلمه الأرض.. ما لا تعرفه عن الحارث بن عباد صاحب مثل”لا ناقة لي ولا جمل” ومُنهي حـ.ـرب البسوس!
ما لا تعرفه عن الحارث بن عباد صاحب مثل”لا ناقة لي ولا جمل” ومُنهي حـ.ـرب البسوس!
كان لدى العرب في فترة ما قبل الإسلام أن إبل السادة والأعيان ترد الماء قبل غيرها من الإبل، ثم ترد إبل بقية الناس، وقد سرت تلك العادة لفترة طويلة.
وفي يوم من الأيام، كان هناك فتىً صغير يرعى إبل والده، وقد ذهب ليوردها الماء، وأثناء سقايته للإبل جاءت بعض الإبل لسادة قبائل سدوس وأرادوا أن تشرب إبلهم قبل إبل الفتى.
فقال لهم الفتى أن إبله ستشرب أولاً، فنزل أحد فرسان سدوس ليؤدب الفتى، وما لبث أن تمكن منه الفتى وقـ.ـتـ.ـله، فنزل له رجلاً ثانياً من بيت آخر من بيوت سدوس فتمكن منه الفتى كذلك، فأورد الفتى إبله وضم إبل سدوس لإبله وعاد بها إلى قومه.
ذاك الفتى هو الحارث بن عباد، وكان سبباً رئيسياً للحـ.ـرب بين قومه بني بكر وبين قبائل سدوس الشهيرة.
ما إن وصل الحارث إلى منازل قومه، قابل والده عباد، وقال له قتـ.ـلت فلان وفلان من بني سدوس على الماء، فأجابه والده :” لا حياك الله ولا بياك، والله لأسلمك لقبائل سدوس بدلاً من أولادهم ولا أدخل قومي في حـ.ـرب سدوس”.
فأجابه الحارث بن عباد، والله لا تقبل قبائل سدوس بي بدلاً من أولادها، وتسليمك إياي لقبائل سدوس لن يقدم ولن يؤخر، وإن كانت “الحـ.ـرب فالبس جلبابها”.
ذهب بعد ذلك وفداً من قبائل بكر بن وائل على رأسه الحارث بن عباد لقبائل سدوس للمفاوضة حول ما حدث، وعرضوا عليهم الـ.ـديـ.ـة، وأن يسلموا لهم الحارث بدلاً من أولادهم.
فأجابهم سادة سدوس، أن الحارث ولد ولا يكفي لوحده بدلاً من الاثنين، وطلبوا من بكر بن وائل أن يقدموا لهم رجلين من قبائل بكر بن وائل وهما “البراق بن روحان ووائل بن ربيعة (كليب)” حتى لا تبدأ الحـ.ـرب.
حاول سادة بكر بن وائل أن يقنعوا قبائل سدوس بالعدول عن رأيهم بالحـ.ـرب، لكنهم أصروا على طلبهم للفارسين من بكر بن وائل (البراق وكليب)، فلم يصلوا لنتيجة وكانت بداية الحـ.ـرب بينهم.
دارت الأيام بينهم، إلى أن قـ.ــتـ.ـل في هذه الحـ.ـرب العباد والد الحارث، ولم يكن يليه بعده في بيته سوى ولده الحارث، فأصبح هو سيداً على قومه.
وما إن أصبح الحارث بن عباد سيداً على قومه، حتى أظهر أنواعاً من الشجاعة في الكثير من المواقف، ليذيع صيته بين قبائل العرب بأنّه فارساً عظيماً، وصارت مكانته في قومه مع البراق بن روحان وكليب بن ربيعة، وهما من أشهر فرسان تغلب من بكر ابن وائل.
كما أن الحارث بن عباد كان رجلاً من أعظم 7 فرسان في العرب قبل الإسلام، وقد انتهـ.ـت حـ.ـربه مع قبائل سدوس باستـ.ـسلام تام لسدودس لصالح الحارث بن عباد.
قصة الحارث بن عباد مع كسرى ملك الفرس
ويعتبر الحارث بن عباد الرجل الثاني الذي وقف أمام ملك الفرس كسرى، ففي إحدى المرات أرسل النعمان بن المنذر وفداً من العرب إلى ملك الفرس، وكان من ضمنه الحارث بن عباد.
أول رجل تكلّم في وفد العرب كان حاجب بن زرارة التميمي وهو من سادات تميم ومن أشهر فرسان العرب وسنروي قصته في يوم آخر.
وبعد أن أنهى حاجب كلامه، بدأ الحارث بن عباد بالحديث فمدح العرب وشيمهم من وفاء وأخلاق وشجاعة وغيره، ثم جلس، فأعجب به كسرى وبفصاحته الكبيرة، فقال لبعض حاشيته :”نفوس عزيزة وأمة ضعـ.ـيفة”.
لما سمع الحارث بن عباد ذلك، قام للحديث مرة ثانية، وواصل بمدح العرب من جديد، ثم بدأ يمدح نفسه ويتحدث عن شجاعته وإقدامه، فنظر كسرى للوفد العربي وسألهم أكذلك هو؟، فأجابوه “فعاله أطـلـ.ـق من لسانه” أي أن ما يفعله أفضل مما يتكلم به.
فقال كسرى لمن حوله :” ما رأيت مثل اليوم وفوداً أحشد وشهوداً أوفد”، وهو يقصد أنه لم يرى جمعاً من الأبطال بمجلسه مثل هذا اليوم، وقوله شهوداً أوفد أنه لم يسبق أن دخل وفد عربي عليه ومدح ببعضه، وقد كان ذاك آخر وفد عربي يصل كسرى قبل وفد المسلمين الذي تبعه فتح بلاد فارس.
قصّة ابن عباد في الوفادة للصلح بين بكر وتغلب
كما هو معروف أن “حـ.ـرب البسوس” بدأت بين بكر وتغلب من ربيعة بعد أن قام جساس بن مرة بقـ.ـتـ.ـل وائل بن ربيعة “كليب”، وحاولت وفود من وجهاء العرب أن تقود صلحاً بين الحيين.
كان الحارث بن عباد من بني بكر على رأس تلك الوفود على الرغم من أنه بكري، ومن قرابة جساس، لكنه كان ضـ.ـد أن يقـ.ـتـ.ـل رجل مثل كليب من أجل ناقة وبتلك الطريقة، لكنه ذهب للزير سالم وقال له أن يصالح ويقبل بالـ.ـديـ.ـة.
لم يجبه الزير سالم، وأتى باليمامة ابنة كليب وعرضها عليه وقالت قولي للقوم مطالبهم، فقالت العبارة الشهيرة بمسلسل “الزير سالم”، أريد أبي حياً، فقال له الحارث بن عباد ” أتسخـ.ـر منا وتخرج لنا طفلة، تكلم أنت معنا وقل ما لديك هل تقبل بالـ.ـديـ.ـة، فأجابهم الزير سالم وقد كان مرة والد جساس حاضراً، “الـ.ـديـ.ـة التي أقبلها منكم قعود و7 أبكار بيض” فصمتوا.
وكان يقصد الزير سالم بذلك أنه يريد “البدر والنجوم السبع”، وكان ذلك بمثابة إعلان الزير سالم للحـ.ـرب.
تخذ الحارث بن عباد موقف الحياد، ففك رأس رمحه، ووتر قوسه، وبذلك اعتزل معه قومه وبني يشكر، وكان يقول :” قتـ.ـلـ.ـوا كليباً بناقة!”.
بعد ذلك أرسل الزير سالم للحارث بن عباد بعد أن أعلن اعتـ.ـزاله الحـ.ـرب وطلب منه فرسه النعامة، فأجابه ابن عباد بالمثل الشعبي الشهير الذي ما زال مستخدماً حتى يومنا هذا “هذه الحـ.ـرب لا ناقة لي فيها ولا جمل”، وأكد أن لن يدخل شيء من قومه أو متاعهم مع أي طرف.
مرت السنوات، وحـ.ـرب البسوس بين بكر وتغلب مستمرة، إلى أن جاء أحد الأيام وكان للحارث ابن عباد ولداً يدعى “بجيراً” (جبير في المسلسل)، وقد كان بجير في وادي واردات ومعه نياق الحارث، فناداه الزير سالم وقد كان معه امرؤ القيس ابن أبان من أبناء عمومته.
لما وصل بجير للزير، قال له سالم انتسب (أي قل من أنت)، فقال له أنا بجير بن الحارث بن عباد، فقال له الزير أأنت من بكر؟، فقال نعم وأنت تعلم أن أبي لم يدخل الحـ.ـرب وقد اعتـ.ـزلها، ولا يوجد صحة للقصة التي وردت في المسلسل أن “جبير” كان يحب اليمامة وغير ذلك من النقاط التي أضيفت للدراما ليس أكثر.
كبشٌ لا يسأل من أمّه!
فسأله الزير سالم ما اسم أمك؟، ولما كان امرؤ القيس موجوداً، علم أن الزير يريد قـ.ـتـ.ـل بجير، فقال له يا سالم، لا تقـ.ـتـ.ـله، والله يقـ.ـتـ.ـل منا كبش(سيد) لا يُسأل من أمه”، في إشارة إلى أن والده الحارث بن عباد لن يسكت.
حاول امرؤ القيس أن يحول بين الزير وبجير لكنه لم ينح، ونزل له الزير وقال له “بؤ بشسع نعل كليب”، أي مقابل شسع نعل كليب وقـ.ـتـ.ـله.
الحارث بن عباد يبدأ على تغلب ويقسم أن لايقف حتى تكلمه الأرض
جاء الخبر إلى الحارث بن عباد وقد كان مشهوراً في حكمته بعد أن بلغ عمراً كبيراً، فلما وصله الخبر كانت ردة فعله أن قال :” نعم القـ.ـتـ.ـيل بجير، قد أصلح الله به بين الحيين”، ظناً منه أن الزير أخذه بدلاً من أخيه.
فقالوا له بل بشسع نعل كليب، فصـ.ـاح الحارث يسأل من الذي قال هذا؟ فقالوا لسنا نحن، بل الزير هو من قالها، فوقف وهو يصـ.ـرخ إن “قتـ.ـل الكريم بالنعل غالٍ”.
وقد كتب قصيدة طويلة اسمها “قرّبا مربط النعامة مني”، ولما أتوا له بالنعامة، قام بـ.ـجـ.ـز ناصيتها وقـ.ـطـ.ـع ذيلها، وأصبحت تلك سنة للعرب في الـ.ـثـ.ـأر، وأقسم أن لا يتوقف عن قـ.ـتـ.ـل تغلب بدل ابنه بجير إلى أن تتكلم الأرض وتقل له توقف.
دخـل الحارث بن عباد الحـ.ـرب، وبدأ فيها ضـ.ـد تغلب إلى جانب بني بكر، وفي إحدى أيام اللقاء وكان اسمه “يوم تحاليق اللمم”، فقد كان الحارث ومن معه من بكر قد حلّقوا رؤسهم ومن على رأسه شعر ليس منهم.
وفي ذاك اليوم، أمسك الحارث بن عباد الزير سالم، وتمكن منه، وقد كان لا يرى جيداً، فقال له دلني على الزير، فأجابه الزير إن دللتك على الزير لي نفسي؟ فأجابه الحارث فأنا الزير، ونظراً لأنه يحفظ كلمته، فالتزم بترك الزير وأجاره حفظاً لكلمته.
فقال الحارث للزير، دلني على كفؤ أي شخص مساوٍ لبجير ابنه وللزير ليأخذه بدلاً من ابنه، فقال له الزير لا أجد في القوم إلا امرؤ القيس ابن أبان، فقال له دلني عليه، فدله عليه الزير وتمكن الحارث من امرؤ القيس.
واستمرت الأيام بينهم، إلى أن أجـ.ـبـ.ـر بني تغلب للنـ.ـزوح من أرضهم واستمر بملاحقتهم إيفاءاً لقسمه بأن لا يتوقف حتى تكلمه الأرض، فكان بنو بكر يرون أن الأمر قد طال ولا بد من إيقافه، فوضعوا رجلاً منهم في حفـ.ـرة وقالوا له إذا مررنا من هنا مع الحارث بن عباد فتكلم من داخل الحفـ.ـرة وقل “أبا منذر أفنـ.ـيت فاستبقِ بعضنا حنانيك بعض الشـ.ـر أهون من بعضُ”.
وكان الحارث بن عبــاد يعلم أن تلك حيـ.ـلة، لكنه قبل بها، وأوقف حـ.ـربه ضـ.ـد التغلبيين، وقد تـ.ـوفي الحارث بن عباد وهو من المعمرين وذلك قبل الإسلام بـ 70 سنة.
المصدر: مدى بوست