ماذا يحدث لو انفجرت جميع القنابل النووية دفعة واحدة؟.. فيديو
تركيا رصد // متابعات
ماذا يحدث لو انفجرت جميع القنابل النووية دفعة واحدة؟.. فيديو
إليك فكرةً قد تجدها مجنونة ولكنّي أجدها منطقيةً للغاية، سأطلب من بابا نويل هديةً خاصةً هذه السنة. لا ليست سيارة فوكس فاجن كالتي حصلت عليها ياسمين صبري ولا عقداً ولا حتى درّاجة.
سأطلب منه أن يجمع في كيس الهدايا الكبير الذي يحمله جميع القنابل والأسلحة النووية الموجودة في العالم ويضعها عل عربته ويطير بها بعيداً جداً نحو الفضاء ليلقي بها هناك ويعود،
أليس أمراً جميلاً يستحق أن أستبدله بسيارةٍ فخمة؟ ألا يستحق تخليص الناس والبشرية من هذا الأذى والخطر أن أضحّي بأمنيتي لهذا العام؟
لكن، ماذا سيحدث إذا انفجرت جميع القنابل النووية في الفضاء دفعةً واحدة؟! هل سيكون بابا نويل بخير؟ هل يمكن أن يصل أذى هذه الأسلحة اللعينة إلى الأرض؟
فعندما تنفجر قنبلةٌ نووية على الأرض، يتسبب الإشعاع الهائل المنطلق في حدوث تمددٍ سريعٍ للهواء حولها، مما يسبّب موجةَ انفجارٍ شديدة تسبب الكثير من الدمار. لكن ماذا عن الفضاء حيث لا يوجد هواء تقريباً؟ هل يتلاشى الانفجار في الفضاء ككلمات الحمقى دون أثرٍ؟
بدايةً، هل أنا الشخص الوحيد الذي تساءل ماذا سيحدث إذا انفجرت جميع القنابل النووية في الفضاء دفعةً واحدة؟!
من المؤكّد أنّني لست أول شخص فكر في هذا، فبينما نعرف جميعنا أنّ الأسلحة النووية خطيرة جداّ على الأرض، لا بدّ أن يتساءل المرء عن أثرها تحت الماء أو في الفضاء الخارجي. ماذا إذا تم إطلاق الأسلحة النووية في الفضاء ليس أحدها أو عشرةً منها بل جميعها مرةً واحدة وبضغطة زرٍ واحد؟
مجموعة تجارب لاختبار قوة انفجار القنابل النووية في ظروف مختلفة
سلسلة من العمليات قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية فوق المحيط الأطلسي وسمتها آرغوس (Argus). تم تنفيذ الانفجارات على ارتفاعات مختلفة في أغسطس وسبتمبر من عام 1958.
ثلاثة رؤوس حربية تم تفجيرها على ارتفاعاتٍ مختلفة. الأوّل على ارتفاع 170 كم فوق الأرض، الثاني على ارتفاع 310 كم والثالث على ارتفاع 794 كم.
لكن القذائف التي تم إطلاقها لم تكن قوية بمقاييس الرؤوس النووية لتحدث أي ضرر حقيقي، فجميع الرؤوس الحربية النووية الثلاثة من طراز W25 كانت لديها نفس قوة الانفجار التي تساوي 1.5 كيلو طن فقط لكل منهما.
أما على الأرض كان الاختبار الأول، في يونيو عام 1962. بعد دقيقة من الإطلاق كان كل شيء يسير وفقاً للخطة إلى أن حصل عطل في محرك قاذفة الصاروخ ،ولأسبابٍ تتعلق بالسلامة قاموا بتدمير الصاروخ ورأسه الحربي في السماء بينما كان على ارتفاع يتراوح بين 9.1 و 10 كم عن الأرض.
وقع حطام الصاروخ ورأسه النووي على حزيرة حونستون المرجانية. ومن البديهي، كانت العواقب وخيمة شملت تلوّثاً إشعاعياً في كل المنطقة.
المحاولة الثانية كانت في يوليو عام 1962. تم إجراء هذا الاختبار على نفس الجزيرة المرجانية في المحيط الهادئ. تم إطلاق صاروخ ثور بمجموعة رؤوس نووية تبلغ حمولتها 1.44 ميغا طن من الرؤوس الحربية النووية من نوع W49. وصلت الشحنة الحرارية النووية إلى ارتفاع 400 كم لتنفجر. من حسن الحظ أنّ محطة الفضاء الدولية التي تدور على ارتفاع 390 كم لم تكن قد أُنشئَت بعد.
ردّ فعل الفضاء على الانفجار كان مختلفاً تماماً عن قرينه على الأرض. كنّا لنرى على الأرض غيمةَ الفطر المألوفة، لكن على ذلك الارتفاع بالكاد يوجد جسيمات للهواء وبالتالي لم تنشأ غيمة إشعاعية. ما حدث كان أروع من التأثيرات الخاصة في أفلام هوليوود.
الانفجار النووي خلق نبضةً كهرومغناطيسية قوية ومجالاً كهرومغناطيسي قصير المدى. تمكن هذا النبض من تعطيل المعدات الإلكترونية الكهربائية وخطوط الكهرباء في هاواي ضمن دائرة نصف قطرها حوالي 1500 كم من مركز الانفجار. كما تعطلت مصابيح 300 شارع وأجهزة إلكترونية أخرى في المنطقة لمدة تصل إلى سبع دقائق.
في السّماء، ظهر توهجٌ عظيم يشبه الشفق، أما في الفضاء، فقد أدى النبض الكهرومغناطيسي على الفور إلى تعطيل ثلاثة أقمار صناعية. كما ولّد الانفجار جسيماتٍ مشحونة بسبب التركيز العالي لهذه الجزيئات. كما تضررت سبعةُ أقمارَ صناعية أخرى. في المحصلة،
أدى الانفجار إلى تعطيل ثلث المركبات الفضائية التي تدور في مدارٍ منخفض. وما ذكرته حتى الآن ليس إلا عينة مما يمكن أن يحدث. لهذا السبب كانت المعاهدة الخاصة في عام 1963 لحظر تجارب الأسلحة النووية على الأرض، في الماء أو حتى تحت الأرض.
لماذا تشغل الأسلحة والقنابل النووية تفكيري ؟
بما أنّني مجرد إنسان، ومن النوع الطبيعي من البشر الذين لا يحبون الدمار ولا يعتقدون أنّ الألعاب النارية ممتعة، فانفجار بيروت في هذا العام تركني حائرة، لماذا يخترع الناس حطباً لجهنم قد تحرقهم؟
ألم يعلّمهم أهلُهم في صغرهم أنّ اللعب بأعواد الثقاب ليس أمراً جيداً؟ لماذا سأتخلى عن سيارتي للتخلص من هذه الرؤوس النووية؟ لأن الخيال المرافق لفكرة انفجار كل هذه الرؤوس دفعةً واحدة أرّق مضجعي.
في عام 2018 كان هناك 14465 رأساً حربياً نووياً 90% منها للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والبقية متفرقة بين مجموعة من الدول. لكنّ العدد الدقيق اليوم غير معروف. فلنفترض أنها 15000 رأساً نووياً.
قوة الرؤوس النووية الحديثة من 150 إلى 550 كيلو طن من مادة التي إن تي (TNT). لنأخذ المتوسط ونفترض أنّها 350 كيلو طن من التي إن تي.
للتذكرة ولسهولة التخيل، إن كان بالإمكان الإحاطة بهذه الصورة المخيفة، انفجار بيروت قدّر بأنه ناجم عن انفجار 2750 طن من التي إن تي.
على الأرض، هناك حوالي 4500 مدينة أو منطقة حضارية في كلٍ منها على الأقل ما يقارب 100,000 شخص. في المتوسط سنحتاج إلى ثلاث قنابل نووية لمحو مدينةٍ واحدة بشكلٍ كلي.
وهذا يعني أن مخزوننا من الأسلحة النووية قادرٌ على محو الحياة عن وجه الكرة الأرضية مع فائضٍ يبلغ 1500 رأساً نووياً قادرٍ على تدمير كوكبٍ آخر به، لو بلغ منّا حبّ الدمار ذلك المبلغ.
خلال ثانيةٍ واحدة، ستتشكّل كرة من اللهب بقطر 50 كم تحرق كل شيء في طريقها، مكونةً موجة انفجار تسحق كل شيء حي في محيط 250 كم.
سيبدأ كلُ شيءٍ بالتفحّم. سيسمع الانفجار في كل أنحاء العالم، كما أن موجات الضغط ستدور حول الكرة الأرضية عشرات المرات خلال الأسابيع القليلة التالية.
ملايين الأطنان من المواد المحترقة ستُقذف نحو الغلاف الجوي، لتصل سحابة الفطر تلك إلى الطبقات الخارجية من الستراتوسفير (الطبقات العليا من الغلاف الجوي).
ما الذي سيحصل لو فجّرنا هذه الرؤوس النووية في الفضاء؟
تستطيع تخيّل الأمر دون الحاجة إلى شهادة في الفيزياء أو الهندسة النووية، فقط تذكّر عواقب انفجار رأسٍ حربيّ بطاقة 1.4 ميغا طن وتخيّل درجة الدمار التي نستطيع توقعها من انفجار 15000 رأس حربي بقوة 5250 ميغا طن، أي 3750 مرة أقوى من الرأس الحربي الذي أطلق من جزيرة جونستون المرجانية.
بفرض انفجرت الأسلحة على ارتفاع 400 كم وهو أبعد ما نستطيع حالياً إيصالها إليه، سيكون هذا كافياً لتعطيل كل الأقمار الصناعية في المدار، حيث لا يوجد هواء قادر على إبطاء انتشار إشعاع غاما.
أما عن الأرض، فلما كان لانفجار بطاقة 1.4 ميغا طن أن يؤثر على الإلكترونيات داخل دائرة نصف قطرها 1500 كم، فإن لهذا الانفجار القدرة على أن يعطّل جميع المعدات داخل دائرة نصف قطرها 25000 كم.
للعلم بالشيء، نصف قطر كوكبنا 6371 كم فقط، أي أن سكّان الكواكب الأخرى قد يفوّتون مبارياتهم بسبب أعطال أجهزتهم الإلكترونية في ذلك اليوم.
بمعزلٍ عن أذية جيراننا، تساقط شظايا ومخلفات هذه الرؤوس سيسبب تلوثاً إشعاعياً قادراً على قتل كل كائنٍ حي يصل إليه، وكثيرٌ من الشظايا والمقذوفات ستحلق في الغلاف الجوي لتنتقل حول العالم فلا تبقي فيه أحداً. كمية المواد المشعة في البيئة ستتضاعف،
ليختبر أولئك الذين كانوا في غواصات بحرية مقاومة للمواد المشعّة في أعماق المحيط واستطاعوا أن ينجوا، زيادةً في نسبة السرطانات في السنوات اللاحقة.
قسمٌ من الجسيمات سيتسرب إلى الجوّ مسبباً أمطاراً نووية يمكنها أن تخفض درجة الحرارة على كامل سطح الكرة الأرضية لبضعة درجات،
ليستمر الشتاء العالمي التالي لعقود، مسبباً انقراض أي شكل من أشكال الحياة على الأرض. إن لم يكن بابا نويل قادر على حمل هذه الرؤوس أبعد بكثير من 400 كم، قد تقود أمنيتي العالم إلى الهلاك.
هل المواد المشعّة لعنة ألقاها علينا سكان الفضاء؟
لا أدري عنك لكنّي لا أؤمن باللعنات إلا تلك التي نحيط أنفسنا بها بأفعالنا. فعلى سبيل المثال، يُقدّر حاليّاً أن هنالك حوالي 35 مليون طن من اليورانيوم في قشرة الأرض؛ أي ما يكفي لإمداد الحضارة البشرية بالطاقة لأكثر من ألفي عام، أو لبناء ملايين الرؤوس النووية. فأيّ ذنبٍ لليورانيوم عندما نختار أن نقتل أنفسنا به؟!
هل ينتهي الوجود كما بدأ بانفجارٍ عظيم؟
لو انفجرت كل هذه الرؤوس النووية على الأرض دفعةً واحدة، سيتفّحم العالم، سيتجمّد ويصبح عبارة عن صحراءٍ نووية، لكنّ الكوكب نفسه لن يكترث بذلك،
فبعد قليلٍ من ملايين السنين فقط، سيشفي جراحه وستعود الحياة إليه شيئاً فشيئاً، ربما ستزدهر حتى أجمل من ذي قبل، وإذا انتشرت الحياة الذكية مجدداً، قد يكون بمقدورها اكتشاف ما حدث.
سيدرسون الجيولوجيا ليجدوا طبقةً غريبةً غنيةً بالعناصر المشعة مثل اليورانيوم، تغطي الصخور، سيكونون على الأرجح مدهوشين، سيتساءلون عن طبيعة المادة وما الذي جاء بها إلى هنا.
سيقف أحدهم طارحاً تفسيراً قائلاً: لربما كان هناك مخلوقاتٌ قبلنا فجّروا كوكبهم بأسلحةٍ نووية، سيقهقه الجميع ساخراً ويجيبونه: ليس هناك أحدٌ بهذه الحماقة!
ختاماً، سأحمّل بابا نويل، قطعي النقدية التي أرميها في البحيرات، شموعي وكلّ صلواتي أمنيةً واحدة أن تختفي هذه الأسلحة بطريقةٍ سحريةٍ آمنة ويعمّ السلام الذي ولدت والناس تتمناه، فمجرّد التفكير بالاحتمال الآخر أثناء تحضير هذا المقال أصابني بالألم وضيقٍ في التنفّس.