بـ لمسات سحرية أذهلت العالم.. ماذا تعرف عن ” الزرابي ” الذي نسجته أيادي نسائية ماهرة؟
تركيا رصد // منوعات
بـ لمسات سحرية أذهلت العالم.. ماذا تعرف عن ” الزرابي ” الذي نسجته أيادي نسائية ماهرة؟
تمكن السجاد المصنوع على الطريقة التقليدية أن يظل راسخا وصامدا رغم الصناعات الحديثة والآلية للسجاد بجميع مغرياته وسعره البخس، كم ظل مرغوباً ولم يأنف الطلب عليه حتى وقتنا الحاضر.
ويتميز صناعة التقليدية على جودتها ومتانة خيوطها وأناقته وتحمله لعوامل الزمن، بالإضافة إلى تميزه بألوانه الطبيعية ورسوماته التراثية التي تعكس أصالة الحرفة
وكثير من الدول حافظت على على تراث هذه الصنعة الضاربة في عمق التاريخ ، وتستغلها كجواز سفر لثقافتها وموروثها الحضاري، حتى أصبحت بعض أنواع السجاد رمزا لمنطقة معنية
كيف تجري صناعة السجاد التقليدي في وقتنا الحالي؟ وما هي مميزات وأنواع السجاد المغربي؟ وهل أدخلت عليه تعديلات أم أنه ما زال فعلا يحتفظ بكل تفاصيله القديمة؟
وما هو سر حفاظ السجاد التقليدي على مكانته المرموقة رغم التطور الهائل في صناعة النسيج في السنوات الأخيرة؟ وما هي الجهود المبذولة للحفاظ هذه الحرفة، وتشجيع الجيل الجديد على تسلم المشعل؟
مهارة لطيفة
ليست الزرابي عملا يدويا هدفه الربح فقط، تقول لطيفة، بل إنها جزء من هوية هؤلاء النساء، فهن يطلقن العنان لمخيلتهن وأحاسيسهن لرسم لوحات فنية ساحرة، وتتحول الخيوط الصوفية الملونة في أيديهن إلى ريشة مطواعة تنقل على المنسج لحظات فرحهن وحزنهن وعشقهن وانتظارهن وأحلامهن
وتازناخت أو الزربية الواوزكيتية، من أشهر أنواع السجاد في المغرب، معروفة بجمالها وجودتها وألوانها البراقة، تصنع من صوف جبل “سروة” وهو أجود الصوف بالمغرب، وألوانها مستخلصة من الأعشاب الطبيعية مثل الحناء وقشور الرمان والفوة وغيرها
مهارة نساء تازناخت لا تخطئها العين، وتتناقلها الألسنة عبر حكايات ظلت خالدة عبر التاريخ، تحمل لطيفة بين يديها زربية وتقول للجزيرة نت بفخر يشع من عينيها إن الزربية الواوزكيتية تنسج بصبر وإحساس مرهف، ومهارة لا تختص بها إلا نساء المنطقة
طقوس الزربية
وتبدأ الطقوس الأولى لصناعة هذه الزربية في مايو/أيار، بجز صوف الغنم وغسله وتنظيفه في مياه وديان المنطقة الرائقة، ثم تنشيفه وتمشيطه وصباغته بالنباتات الطبيعية، ثم غزل الخيوط الصوفية لتتحول فيما بعد إلى حكايات منقوشة على زرابي تخلب الألباب
ألوان متوارثة
وتعتمد نساء المنطقة في نسج الزرابي على ثلاثة ألوان رئيسية هي الأحمر والأصفر والأزرق وهي ألوان توارثنها جيلا بعد جيل، لكن ذلك لا يمنع من إضافة ألوان أخرى، وحسب لطيفة فإن زربية تازناخت تتطور باستمرار بفضل خيال وإبداع النساء، لكنها لا تنسلخ عن جذورها وأصالتها المنبثقة من جبال الأطلس الشامخة.
بحنين جارف إلى الماضي، تتذكر كبيرة فتان في حديثها للجزيرة نت كيف بدأت علاقتها بنسج الزرابي وهي في سنوات عمرها الأولى، حين كانت تجلس بجانب والدتها وهي تغازل خيوط الصوف بيديها، بينما صوتها يصدح بالأهازيج
لم تكتف هذه المرأة الخمسينية بنسج الزرابي “المراحية” التي تعرف بها منطقتها، بل انطلقت في عالم الإبداع لتحول خيوط الصوف إلى زرابي حائطية مضمخة بمعاني الوطنية
ألوان ورموز
يقول المختصون في الصناعات التقليدية، إن هناك نوعين للزربية المغربية: زربية الحضر وزربية الأرياف والقرى، زربية الحضر تصنعها نساء المدن من العرب في الأساس، وتكون كثيفة النسيج، وعادة ما تتضمن أشكال زهور، وتتركز صناعتها في الرباط ومدن مغربية أخرى. أما زربية الأرياف والقرى، فتختص بنسيجها النساء الأمازيغيات
وتتميز بتصاميم هندسية بسيطة ومختلفة الأحجام، ونادرا ما تضم رسوم هذا النوع من الزرابي أشكال طيور أو حيوانات أو أشخاص، وهناك أيضا أنواع مختلفة من الزربية الريفية، فكل قبيلة أمازيغية لها تصاميمها الخاصة التي تتفنن في نسيجها نساء خبرن حرفتها بالوراثة
وتقول رجاء الغندور، المسؤولة عن التحف الفنية في المؤسسة الوطنية للمتاحف بالمغرب، إن الزربية المغربية عموما تتميز بلونها الأحمر القاني، ويطغى على موادها الصوف الخالص أو القطن، وتزيّن بالأشكال المميزة التي تشتهر بها دول المغرب العربي والحضارة الأندلسية، لكن هذه المعايير تختلف من منطقة إلى أخرى، ما ساعد على وجود أنواع كثيرة من الزرابي داخل البلد الواحد
وتشير إلى أن الزربية المغربية تعرف بانحناءاتها وأشكالها الهندسية، وتتنوع الألوان المستعملة فيها من منطقة إلى أخرى بين الأزرق والأحمر والأصفر والأخضر
خيال جامح
على أرضية بيضاء، نسجت كبيرة بخيوط ملونة شعار المملكة المغربية، نجمة خماسية بالأخضر، شمس ساطعة، أسدين أطلسيين، تاج ملكي بألوان العلم، ولافتة مكتوب عليها “إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ”
تلك أحب الزرابي إلى قلبها، تقول كبيرة، فقد قضت في نسجها سبعة أشهر، استنزفت خلالها أفكارها وخيالها الجامح يحذوها حرص كامل للتدقيق في كامل خطوط اللوحة
فضاءات للنساجات
ويتحدث الرجراجي عن إنشاء 83 دارا للمهنيين تتوزع على امتداد المغرب، هذه الدور هي فضاءات تجتمع فيها النساء القرويات النساجات لإنتاج الزربية والاستفادة من دورات تكوينية في التصميم والابتكار والتلوين
وأيضا للتواصل المباشر مع المستهلك فهي “تحمي النساء من الوسطاء الذين يشترون منهن الزرابي بأبخس الأسعار، ويبيعونها بمبالغ باهظة” يشرح الرجراجي
ويشير إلى أنه تم تسجيل 20 علامة جماعية للتصديق ومنح شارات الجودة، (شارات تمنح لأنواع من الزرابي تستجيب لمعايير خاصة للجودة)
وسجلت هذه الزرابي في المكتب المغربي للملكية الفكرية وأيضا في مؤسسات مماثلة في أوروبا وأميركا مما يسمح بحمايتها من القرصنة من بعض الدول المنافسة
سر تميز سجاد الأطلس
لا شك أن صناعة السجاد هي واحدة من الصناعات القليلة جدا التي حافظت حتى يومنا هذا على الطريقة التقليدية التي استعملها رواد هذه الحرفة منذ مئات السنين، فما زالت النساء في قرى المغرب يحوّلن الصوف يدويا بواسطة المغزل إلى خيوط، ويضعنه في الآلة الخشبية التي تسمى المنسج
ويعملن عليه لأيام وأسابيع وأحيانا شهور، ليخرج بعد ذلك السجاد عالي الجودة والمتانة، بأشكاله المتناسقة التي تنم عن مهارة خاصة ومعرفة وخبرة لدى هؤلاء النسوة، رغم ظروفهن المعيشية الصعبة
تنعكس الظروف المعيشية القاسية في جبال الأطلس التي تمتد وسط المغرب، على طبيعة السجاد الذي يميز هذه المنطقة، فنجده خشنا وسميكا، مزخرفا بأرضية بيضاء ورموز غالبا ما نجدها موشومة على أيادي وأوجه نساء المنطقة في القديم
وذلك بعكس زرابي الرباط مثلا التي تعكس الغنى ورغد الحياة في مناطق زعير، وسهولة الصنع على أيدي النساء النساجات في ورشات جماعية، وهو ما يظهر في دقتها وحبكتها
هذه الروح التي تميز سجاد كل منطقة تزيد من تشبث البعض بهذه الصناعة التقليدية، رغم أنها تستخدم خامة أساسية واحدة هي الصوف، وتعتمد على الأدوات نفسها تقريبا. لكن الاختلاف في التطريز والألوان المستخدمة يمنح لكل سجاد شهادة انتماء لمنطقته، وجواز سفر يعرف به في كل بقاع العالم
زرابي المملكة
تشتهر مناطق بعينها في المغرب بجودة سجادها، ومن بين أشهر أنواع السجاد التي وصلت إلى العالمية الزربيّة الواوزكيطية التي تحتضنها منطقة تزناخت بإقليم وارزازات، أحد أكبر أسواق السجاد التقليدي في المغرب، وحيث ينظم سنويا مهرجان الزربية الواوزكيطية الذي يستقطب إليه آلاف السياح الأجانب.
ولا يخلو تقريبا أي بيت في منطقة تازناخت من منسج خاص به، ويوجد بالمنطقة ما لا يقل عن 20 ألف امرأة يحترفن صناعة النسيج التقليدي والزرابي
ويحظى هذا السجاد الأمازيغي الحر بمكانة مهمة في المنطقة، وتستعمل في تلوينه مواد طبيعية مستخلصة من الأعشاب المحلية كالحناء وقشور الرمان والفوة وغيرها، كما يستفيد من جودة صوف جبل سروة الذي يعتبر أجود أنواع الصوف بالمغرب.
وقد ذاع أيضا منذ القدم صيت سجاد الأطلس المتوسط الذي يحكي قصص نساء المنطقة، وينقل معاناتهن من خلال رسوماته وألوانه
كما نجد أنواعا أخرى كالزربية الوزانية نسبة إلى مدينة وزان شمال المغرب، والزربية المراكشية والفاسية التي تأثرت بالنقوش والزخرفة الإسلامية، بالإضافة إلى الزربية الرباطية المميزة بلونها الأحمر ورسوماتها الدقيقة المتداخلة في الحافة والوسط
وهي تواصل تحديها لمنتجات المصانع الحديثة بفخامتها وجودة صوفها الممزوج أحيانا مع الحرير، وجمال رسوماتها
صنع في المغرب
غالبا ما توصف صناعة السجاد التقليدي بأنها صناعة المرأة التي يكسب منها الرجل، فالنساء من مختلف الأعمار هن من يجلسن أياما طوالا أمام المنسج ليبدعن لوحات فنية بالخيوط والصوف، من أجل بيعها في الأخير لتجار الجملة بأسعار لا تعكس بالضرورة حجم المجهود المبذول من قبل هؤلاء النسوة، لكنهن مضطرات لذلك لإعالة أنفسهن وأسرهن
ويبقى الوسطاء الرجال الذي يقومون بإعادة بيع الزرابي المستفيد الأكبر من هذه التجارة، ونجد في بعض الحالات أن الثمن يتضاعف ثلاث مرات أو أكثر مقارنة بالثمن الأصلي، وهو ما ينعكس سلبا على هذه الصناعة، ويخلق نوعا من اليأس والفشل لدى النساء العاملات في هذا المجال
وظهرت في السنوات الأخيرة محاولات كثيرة لحل معضلة التسويق، من خلال خلق تعاونيات من قبل هؤلاء النساء القرويات النساجات، يجتمعن من خلالها لتجميع الإنتاج والاستفادة من تكوينات في التصميم والابتكار والتلوين، ثم التواصل مباشرة مع الزبائن دون المرور بالوسطاء، بالإضافة إلى المشاركة في معارض وطنية ودولية.
وتوجد في المغرب عشرات الجمعيات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي للزرابي تواكبها الحكومة، كما بذلت جهودا من أجل حماية منتوج هذه التعاونيات النسوية من التقليد والتزييف
وقامت الدولة المغربية بمنح علامات الجودة والمنشأ لعدد من التعاونيات، كما سُجل عدد من أنواع الزرابي لدى المكتب المغربي للملكية الفكرية، ولدى مؤسسات مماثلة في مجموعة من الدول قصد حمايتها من القرصنة
وربما استطاعت علامة “صنع في المغرب” إنصاف المنتوج والإشارة إلى بلده الأصل، لكن ليس بالضرورة النساء اللواتي اشتغلن عليه لأسابيع أو شهور في منازلهن أو في ورش التعاونيات
ديكور وأثاث
بالرغم من غلاء سعر الزرابي التقليدية في المغرب، واعتماد الغالبية العظمى من الأسر في تأثيث بيوتها على الزرابي المصنعة في الأوراش والتي تتوافر في الأسواق بأثمان رخيصة وبألوان وأشكال مختلفة؛ فإن الزربية التقليدية لا تزال تحتل المكانة المهمة في فن التأثيث والديكور في البيوت المغربية، وبشكل خاص في الصالون المغربي (قاعة الضيوف) الذي تتوسطه في العادة الزربية البلدية بألوانها الفاتحة التي تدل على الفرح والترحيب بالضيوف
وبهذا المعنى فإن حياكة الزربية عكست على مر التاريخ شهادة كبيرة على استعمال التقاليد والمعتقدات المقدسة في الغالب وعلى امتداد الثقافات الإسلامية البربرية الأندلسية والإفريقية
المصدر : الجزيرة