منوعات

الجفت.. انتشار ظاهرة استخدام وقود جديد للتدفئة والطبخ يمكن صناعته بسهولة وبثمن بخس

الجفت.. انتشار ظاهرة استخدام وقود جديد للتدفئة والطبخ يمكن صناعته بسهولة وبثمن بخس

يعاني معظم يكان دول بلاد الشام من قلة المحروقات وارتفاع أسعارها بشكل كبير، بالإضافة إلى أن تلك الدول لا يوجد لديها ثروات باطنية لإنتاج الوقود،

أو تكون في وضع اقتصادي وامني لا يسمح لها باستخراج النفط وتوزيعه في البلاد،

وهذا أدى إلى البحث عن مصادر للطاقة بعيداً عن الكهرباء والنفط.

في فلسطين ،بفطرته، أدركَ الفلاحُ الفلسطيني منذ أن عرف الزيتون وزيته، أن للجفت بركاتٌ جليلةٌ كما الزيت، حتى قال فيه مادحاً:

«حرصي على الجفت، حرصي على الزيت»، ولسان حال العلماء اليوم لا يختلف كثيراً عن لسان حال أجدادنا فهم يتسارعون إلى إنتاج الغاز الحيوي،

كما أقاموا محطات لتوليد الكهرباء تعتمد الجفت وقوداً، وبه صنعوا الأعلاف للماشية هذا غير استخراجهم منه مُبيدات لمقاومة الفطريات الضارة،

أو حتى استخراج السيليلوز النقي الذي يُفيد في صناعات كثيرة تبدأ بصناعة الورق والنسيج وتنتهي بصناعة المتفجرات

بيوغاز .. من شجرة الزيتون

في مدينة شتوتغارت الألمانية، قام مجموعة من العلماء في معهد فراون هوفر Fraunhofer Institut ببحث نجاعة إنتاج الغاز الحيوي من مُخلفات الزيتون،

بالأخص كون أوروبا تنتج سنوياً أكثر من 2 مليون طن من زيت الزيتون،

وينتج عن ذلك كميّات ضخمة من المخلفات التي يُمكن أن تكون مصدراً للغاز الحيوي بدلاً من أن تكون عبئاً على البيئة.

بالفعل فقد قام العلماء بعدة مُحاولات من خلال عمليّات تخمّر متخصصة،

وكانت النتيجة أنهم توصلوا إلى انتاج 720 لتراً من الغاز الحيوي من كل كغم من المادة العضوية الجافة (مخلفات الزيتون الصلبة)،

وهي أكثر من كميّة الغاز الذي يُمكن إنتاجه من تخمير الذرة. في حين أنهم استطاعوا إنتاج 980 لتر من الغاز بعد مُعالجة الزيبار (مخلفات الزيتون السائلة)،

وهو ما كان يعني تقليل كميّة النفايات الناجمة عن عصر الزيتون حتى 90%، وفوق هذا إنتاج 3600 kWh و5400 kWh من الزيبار.

كُل هذا كان يعني أن إعادة مُعالجة كل مخلفات عصر زيت الزيتون في اوروبا تُساوي تقريباً زراعة 2800 كم مربع من الذرة،

بهدف إنتاج الطاقة منها، وهي أكبر من مساحة محافظة الخليل بثلاثة أضعاف تقريباً

من البولي فينول … مُبيد للفطريات

دراسات كثيرة نُشرت في الوطن العربي والدول الغربية حول نجاعة جفت الزيتون في مكافحة الفطريّات والبكتريا،

والتي تهاجم الأشجار والمزروعات، فما السر في ذلك؟

في الواقع فإن الجفت يحتوي على مادة هي « بولي فينول Polyphenol » وهي قادرة على مُكافحة أنواع عديدة من الفطريّات الضارة،

وفي دراسة للباحث جونتر لاوفينبرغ وجد أنه بتسخين أو حتى تجميد هذه المادة،

يُمكن الحصول على مواد فعالة أخرى أقوى من المادة الأم نفسها،

وبالتالي فإن هناك أبحاث كثيرة تجري في محاولة الحصول على أفضل مبيد للفطريات يمكن استخلاصه منه.

وقد توصّل الباحث في دراسته أن للمبيد المستخلص من جفت الزيتون فعالية ممتازة،

في مكافحة الفطريات المُسماة Botrytis cinerea وهي التي نراها على التوت المتعفن مثلاً.

علف للحيوانات

مع أن جفت الزيتون ليس غنياً بالطاقة والبروتين الخام إلا أنه يحتوي على الألياف بصورة جيدة جداً،

وقد نُشِرت دراسات تشير إلى جدوى استخدام الجفت في صناعة أعلاف الحيوانات، والمجترّة منها بشكل خاص.

وفي الأردن على سبيل المثال، أشارت دراسة إلى أن إدخال جفت الزيتون بنسبة 10% على أعلاف الحيوانات المجترة،

يؤدي إلى توفير 30% في الكلفة العلفية هذا غير التخلص من الجفت بصورة صديقة للبيئة،

كما تشير دراسات أخرى إلى أن إدخال الجفت في خلطات التسمين حتى نسبة 15% لا يؤدي إلى أي آثار سلبية في سرعة نمو الحملان.

وأما في فلسطين فقد نُشرت دراسة في جامعة النجاح في نابلس بعنوان “استخدام جفت الزيتون في صناعة العلائق العلفية للدجاج اللاحم”،

وكانت تهدف لفحص أثر خلط الجفت بالأعلاف الخاصة بالدجاج على النمو،

وخلصت إلى إمكانية استخدام الجفت المنزوع النوى في تغذية الدجاج اللاحم واعتبارها كمصدر غذائي رخيص.

السيليلوز

كما الخشب، ينتمي الجفت إلى المواد المُصنفة علمياً بـ «ليجنو سيلولوزية»، فهو يحتوي على اللجنين والسليلوز،

وشبه السليلوز والتي بمُعالجتهم يُمكن أن نحصل على الورق، ولكن عجينة الورق المثالية تتكون بشكل أساسي من السليلوز.

وللحصول على السليلوز النقي، قامت الطالبة يُسرى سلامة من جامعة النجاح بإجراء بحث يفحص امكانيات الاستخلاص،

وتوصلت إلى استخلاص حتى 30% من السيليلوز النقي باستخدام حمض الكبريتيك أو هيدروكسيد الصوديوم تحت ضغط 5 psi،

لتجهيز الجفت للمعالجة بالمواد الكيميائية المُستخدمة في ما يُسمى بالـ Pulping والتبييض.

أما أهميّة انتاج السليلوز فهي لا تكمن فيها فقط، فمنه يُمكن إنتاج الفسكوز وهو مهم جداً في الصناعات النسيجية،

كما يمكن إنتاج خلات السيليلوز وهي مادة بلاستيكية تصنع منها أفلام التصوير وعوازل الكهرباء،

هذا غير مادة نترات السليلوز التي يُمكن أن يُصنع منها ما يُسمى القطن المتفجر وهي مادة مُتفجرة!

من الفحم المنزلي حتى تشغيل محطة توليد كهرباء

ليس استخدام الجفت كوقودٍ أمراً جديداً أبداً، بل هو قديمٌ قديم.. ويكفينا أن نصغي للفلاح الفلسطيني،

وهو يقول: «حرصي على الجفت حرصي على الزيت» كي نستوعب مدى حرصه على الجفت،

الذي كان يستعين به على برد الشتاء و”المربعنية” للتدفئة أو حتى للطهي فيستخدمه كالفحمِ بعد تجفيفه،

وهو أفضل عنده من الفحم التقليدي لأنه يبقى مشتعلاً لفترة أطول،

صناعة الجفت في اوروبا

وهو ما شاع في أوروبا وتحوّل إلى صناعة، حيث تصنع شركة OlioBric اليونانية الفحم من الجفت وتباع كل 3 كغم منه بحوالي 10 يورو في ألمانيا!

وفي الضفة الغربية وقطاع غزة حيث معدل الانتاج السنوي من زيت الزيتون (خلال العقود الثلاثة الأخيرة) 16-18 ألف طن،

ينتج عن عملية إنتاجه من الزيتون الخام نحو 80 ألف طن من مخلفات الزيتون والزيبار،

فإن استخدام الجفت لا زال لم يصل إلى ما وصلته اوروبا مع أن هناك دراسات فلسطينية كثيرة حول الموضوع،

كدراسة د.مازن ابو عمرو حول آفاق استخدام الجفت كمصدر للطاقة،

يؤكد فيها أنه من الممكن انتاج حتى 1kWh من الطاقة الحرارية من كل 0.23كغم من الجفت المجفف،

وهذه يُمكن استخدامها في إنتاج البُخار الذي من شأنه أن يشغل التوربينة والتي بدورها يُمكن أن تشغل المولد الكهربائي.

وبعيداً عن الأبحاث النظريّة، توجد في مدينة جيان في إقليم أندلوسيا جنوب الاندلس محطة للطاقة،

تعمل بشكل أساسي بواسطة مخلفات الزيتون حيث يتم مُعالجة 100 الف طن من الجفت سنوياً، يُنتج عنها 126.144.000 kWh.

تحويل الأفكار إلى مشاريع

وخلاصة الكلام أنه بقدر ما لدينا من العُلماء والأبحاث في فلسطين اليوم، إلا اننا بحاجة إلى تحويل هذه الأفكار إلى مشاريع ذات جدوى اقتصادية وبيئية،

كما لاحظنا في صناعة الفحم في اليونان ومحطات توليد الكهرباء بالجفت في اسبانيا،

وإلا فلا فائدة حقيقية من كُل هذه المقالات والأبحاث، إن لم يتم دعمها وتنفيذها على أرض الواقع!

كما لا يقتصر موسم عصر ثمار الزيتون على إنتاج الزيت البكر، لكن ثمة موارد اخرى ابرزها ما يسمى حطب الفقراء.

والذي له مكانة مميزة عند محدودي الدخل ليكون وسيلة التدفئة الأوفر والأقل ثمناً وفي متناول.

مواطنون قالوا  إن مادة جفت الزيتون التي تنتج من مخلفات عصر الزيتون، تمثل خلاصاً للفقراء الذين يبحثون عن الدفء،

خلال الشتاء والبرد القارص ومصدر دخل للعاطلين من العمل، كما أن له أهمية في المحافظة على الاثر البيئي من خلال كونها بديل ممتاز عن الحطب.

كما بينوا أن الطن الواحد من مادة الجفت يصل ثمنه من 90-120 ديناراً، وهي كمية تكفي العائلة طوال فصل الشتاء،

ومصدر تدفئة متاح للفقراء لاكمال موسم الشتاء بكل راحة.

ووفقا للبيانات الرسمية من نقابة أصحاب معاصر الزيتون، فان الأردن يُنتج سنويا ما يصل إلى 60 ألف طن، خاصة في محافظات الشمال،

وتحديداً المناطق المرتفعة منها والتي يعتمد سكانها على هذه المادة بشكل أساسي خلال الشتاء نظراً لبرودة الطقس فيها.

وقود متوفر

محمد سالم وهو عامل انتاج باحدى المعاصر يروي: آلية استخلاص “الجفت” خلال عصر الزيتون، ويقول:

“يتم استخلاصه من خلال أنابيب خاصة تعمل بشكل تقني، وبعد تجميع الجفت يتم تجفيفه ومن ثم يضغط في مكابس على شكل قوالب ليصبح جاهزاً للاستخدام في المدافئ”.

كما يضيف سالم أنه لا يمكن الحصول عليه إلا في الخريف أو بدايات الشتاء بعد موسم قطف الزيتون وعصره، موضحاً أن الطلب عليه يكون في ذروته خلال شهر نيسان من كل عام.

مصدر مالي للمعاصر

صاحب معصرة في قرية النعيمة شمال المملكة يقول إن “الجفت” كان قبل سنوات يباع بالمجان للناس في سبيل أن تتخلص منه المعصرة،

إلا أنه مع ارتفاع الطلب على الجفت أصبح يشكل مصدراً مالياً مهماً للمعصرة، ويباع وفقا لأسعار يتم تحديدها حسب كل موسم.

كما يضيف أن للجفت الجاف سعر أعلى من الجفت غير الجاف، منوها إلى انه يترتب على إنتاجه تكاليف وأجور،

وهو ما يجعل الأسعار قد ترتفع مع ذروة الموسم إلى 150 ديناراً للطن الواحد، خاصة أن صناعة الجفت ليكون جاهزا قد تحتاج إلى 3 أشهر ومعدات ومكابس خاصة.

ويأتي الطلب المتزايد على استخدام مادة الجفت للتدفئة في ظل ارتفاع أسعار المحروقات ( الكاز والديزل)،

ووصول أسعارها لمستويات يصعب على الفقراء ومحدودي الدخول توفيرها بسبب ارتفاعها عالمياً.

دفع الارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات وخصوصا مادة المازوت (الديزل)، اللبنانيين الى اللجوء الى حلول بديلة أقل كلفة لتدفئة منازلهم،

وتتناسب مع الأوضاع الإقتصادية المتردية التي تعيشها البلاد.

وككل عام في نهاية موسم الخريف يبدأ قطاف الزيتون في لبنان،

وقد باتت مادة “جفت الزيتون” الناتجة عن عملية عصر الزيتون، سلعة يقبل عليها المستهلكون للتدفئة في فصل الشتاء،

خصوصا من قبل سكان القرى المرتفعة وذوي الدخل المحدود، وذلك كونها سلعة التدفئة الأرخص من حطب الأشجار والمازوت والكهرباء الغائبة اصلاً.

30 ألف طن سنويا

ويقول جورج إيليا فارس، رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية،

إن لبنان ينتج سنويا 30 ألف طنا من جفت الزيتون، وهي بقايا مليون ونصف مليون صفيحة زيت زيتون تعصر سنويا،

مشيرا الى هذه البقايا المؤلفة من لبّ حبوب الزيتون يتم تحويلها الى حطب من خلال ضغطها في معدات خاصة.

سعر طن الجفت 120 دولارا

ويكشف فارس أن اثنين طن من الجفت ينتج عنهما طنا واحدا من حطب الجفت الجاهز للاستخدام، لافتا الى أن سعر طن الجفت قبل تصنيعه الى حطب،

ارتفع الى 80 دولارا في 2022 من 40 دولارا في 2021 بسبب ازدياد الطلب عليه، في حين يتراوح سعر الطن بعد التصنيع بين 120 و 150 دولارا،

ما يعد أرخص من المازوت الذي يبلغ سعر الطن منه ألف ومئة دولارا.

المازوت يرفع كلفة التصنيع

وبحسب فارس، فإنه رغم اعتبار “الجفت” بمثابة “حطب الفقراء” ووسيلة للتدفئة لذوي الدخل المحدود،

إلا أن الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات زاد من كلفته التصنيعية هذا العام، مشيرا الى أن سعره يبقى مقبولا نسبيا مقارنة بأسعار المازوت.

قدرة اشتعال قوية

من جهته، يقول طوني أنطون، وهو مالك معمل حطبة ونار، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”،

إن حطب جفت الزيتون يملك قدرة اشتعال قوية وهو يمنح الدفئ في المنازل لعدة ساعات،

كاشفا أن الأزمة الاقتصادية في لبنان أثرت بشكل قوي على القدرة الشرائية للمواطنين الذين تحولوا من شراء حطب الجفت بالطن الى الكيلو في بعض الأحيان.

اقرأ أيضاً: مشروع العمر.. ابتكار طريقة سهلة وغير مكلفة لزراعة الخضروات على مدار العام والمرابح بآلاف الدولارات

أما عن ميزاته فيشرح أنطون أن الجفت صديق للبيئة فهو ناتج عن بقايا الزيتون بعد عصره،

حيث أنه وبدلا من رمي هذه المخلفات يتم تحويلها الى حطب ما يخفف كثيرا من عمليات قطع الأشجار للحصول على الحطب الطبيعي،

لافتا الى أن هناك طريقة جديدة وأيضا صديقة للبيئة لتصنيع الجفت، تتمثل بخلطه مع بقايا الأشجار التي يتم تشحيلها في الأحراج.

الجفت المخلوط

وبحسب أنطون، فإن الطريقة الجديدة لتصنيع الجفت المخلوط، تعد أكثر تكلفة وتجعل سعر الطن يتراوح بين 220 و230 دولارا،

إلا أنها تساعد في الحفاظ على البيئة ففي السابق كان يتم تشحيل الأشجار ورمي بقاياها أو حتى حرقها،

ولكن بات بالإمكان الآن ومن خلال المعدات الحديثة تجفيف بقايا الاشجار وخلطها مع مادة الجفت لخلق نوع جديد من الحطب يملك قدرة اشتعال قوية جدا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock