ليست من كوكب المريخ.. “عين الصحراء” في دولة عربية لغز علمي حير العلماء!
ليست من كوكب المريخ.. “عين الصحراء” في دولة عربية لغز علمي حير العلماء!
غير بعيد من مدينة ودان المعلقة على خاصرة سلسلة جبال آدرار شمال موريتانيا، تقع “عين الصحراء” أو “عين أفريقيا”.
والتي رسم ملامحها تكوين جيولوجي صخري دائري متدرج يبلغ قطره 50 كيلومتراً،
ويمكن مشاهدته من الفضاء، إذ ظل هذا الموقع علامة معروفة لرواد الفضاء منذ أقدم البعثات المأهولة ويظهر كحلقات بشكل مفصل.
وقبل أيام صادقت الحكومة الموريتانية على مرسوم يتضمن حماية هذا الموقع “الذي يتعرض لضغوط عدة تتجلى من خلال نهب تراثه الأثري التاريخي والتأثير في توازنه البيئي وتسارع تدهور تربته”، بحسب نص مرسوم وزارة البيئة الذي قدمته في اجتماع لمجلس الوزراء.
لغز علمي
تتعدد التفسيرات العلمية لهذا الموقع الجيولوجي النادر، فمنذ اكتشافه على يد عالم الطبيعة الفرنسي تيودور مونو منتصف ثلاثينيات القرن الماضي قدم العلماء فرضيات مختلفة لأصل الموقع، فمنهم من اعتبره انفجاراً بركانياً يعود لملايين السنين.
ففي سنة 1946 قدم مونو افتراضاً مؤداه أن الحفرة ناتجة من سقوط نيزك فضائي في الموقع منذ زمن سحيق.
إلا أن هذا الطرح فندته نتائج بعثة فضائية أميركية زارت موقع “عين الصحراء” عام 1965 خلصت إلى أنه لا توجد أي مكونات جيولوجية مغايرة للمكونات السائدة والمعروفة في المحيط الجغرافي لمكان الظاهرة.
غير أنه في عام 2008 درس الباحث الكندي غيوم ماتون من جامعة كيبك بكندا بدراسة موقع “عين الصحراء ضمن أطروحة دكتوراه لأكثر من 100عينة صخرية استنتج من خلالها أن حفرة الموقع الأكثر جذباً للعلماء في موريتانيا ما هو إلا عبارة عن قبة جيولوجية قد حصلت نتيجة انصهار عظيم تحت الأرض”.
وعن القيمة العلمية والأثرية لعين الصحراء، يقول المتخصص في الجيولوجيا والموارد المعدنية أحمد ولد الطالب محمد “هذا أحد أهم المواقع الجيولوجية العالمية، وصنفه الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية (IUGS) موقعاً من الصنف الأعلى قيمة علمية”.
ويضيف محمد “من ناحية التركيبة الجيولوجية لعين الصحراء تشكل الصخور السوداء (صخر الغابرو) حلقتين دائريتين، الداخلية عرضها نحو 30 متراً، والخارجية عرضها نحو 70 متراً، تبعدان على التوالي من مركز البنية ثلاثة وثمانية كيلومترات عن مركز هيكل الموقع”.
ويرى أنه “ميدانياً لا يمكن رؤية هذه الحلقات لأن قطر البنية كبير (نحو 50 كم) لكن تبقى (عين أفريقيا) علامة معروفة لرواد الفضاء”.
موروث جيولوجي
يقول رئيس قسم التاريخ في جامعة نواكشوط أحمد مولود الهلالي إن “أهمية إصدار مرسوم حكومي لحماية عين الصحراء تكمن في أن هذا الإجراء سيضمن تصنيفه إرثاً تراثياً وطنياً لا يمكن المساس به، ثم بعد ذلك يتم العمل على تصنيفه عالمياً كحديقة جيولوجية معترف بها دولياً وتخضع لتصنيف مواقع التراث العالمية”.
وبعد تطبيق فحوى هذا المرسوم الذي أجازته الحكومة الموريتانية سيجرى “إنشاء وتحديد نظام حمائي مناسب، وجرد وحفظ الموروث الجيولوجي لعين الصحراء، من خلال التعرف إلى مختلف عناصر هذا الموروث، وتحديد سماته، والمحافظة عليه في ظروف تمكن من تسييره المستديم، ووضع إجراءات عقابية لانتهاك الترتيبات الواردة في هذا المرسوم وخطة التهيئة والتسيير”.
وتعتبر الحكومة الموريتانية، في بيان لها بعيد إصدار المرسوم، “أن موقع عين الصحراء يكتسي أهمية جيولوجية وبيئية عالية، سواء على الصعيد الوطني أو العالمي، ويشكل معلماً يشاهده رواد الفضاء الذين أسهموا إلى حد كبير في شهرته على مستوى العالم، وقد صنف ضمن أبرز 100 موقع من مواقع الموروث الجيولوجي في العالم، وهو الموقع الوحيد منها في غرب أفريقيا، كما يمتاز بجمال موروثه الطبيعي، وقيمته الاستثنائية”.
ويضيف أحمد الطالب محمد أن من ميزات هذا الموقع تتمثل في وجود “عروق من صخر الكاربوناتيت، وهو نوع نادر من الصخور التي ترتبط بمعادن مهمة، فضلاً عن ذلك تم اكتشاف عدة عروق لصخور الكيمبيرلايت المعروفة بأنها الصخور التي تجد مصدرها في وشاح الأرض وهي مصدر معدن الألماس”.
مزار سياحي
منح وجود هذا الموقع الجيولوجي النادر فرصة سياحية كبيرة لسكان مدينة وادان التاريخية في موريتانيا، إذ تشهد نزل ومحطات إيواء السياح في المدينة الجبلية، حركة سياحية دؤوبة على مدى العام، ويتقاطر عشرات الباحثين ومحبو المواقع الأثرية والجيولوجية النادرة على المدينة لزيارة هذا الموقع النادر.
ويقول المختار ولد أعلي، وهو دليل سياحي من مدينة وادان، إن “عين الصحراء يشكل مصدر دخل للقائمين على قطاع السياحة في المدينة، وسيمنحنا تصنيفه إرثاً وطنياً وتراثياً قيمة ستنعكس على عملنا في قطاع السياحة الثقافية التي نأمل أن تزدهر في السنوات المقبلة”.
وتعمل موريتانيا منذ فترة على حماية تسجيل مواقعها التراثية والأثرية، عبر إصدار مراسيم قانونية لتصنيفها كتراث وطني لتتقدم بعد ذلك للمنظمات المتخصصة لتسجيلها عالمياً كإرث إنساني دولي.
المصدر: إندبندنت