منوعات

من الفشل إلى الخسارة إلى دخول عالم الثراء… قصة نجاح شابة عربية نفذت مشروعها المبتكر من الصفر

من الفشل إلى الخسارة إلى دخول عالم الثراء… قصة نجاح شابة عربية نفذت مشروعها المبتكر من الصفر

في قلب الريف التونسي، حيث تمتد حقول القمح تحت سماء زرقاء صافية، تقف شابة بعزيمة لا تُقهر، تحدت قيود البطالة وعواقب الفشل، لتنحت من طموحها قصة نجاح استثنائية.

مريم الضبايبي أو «الفلاحة الصغيرة» كما يسمونها في ولاية الكاف شمال غرب تونس، لم ترضَ أن تُقيدها الظروف، بل ثارت على الواقع وجعلت من أرضها مسرحا لإنجازها، ومن بقراتها شريكات في رحلتها نحو تحقيق أحلامها.

وقبل أيام، احتفلت مريم (25 سنة) بالذكرى السنوية الثالثة لحصولها على بقراتها عبر شراء قطعة من الحلوى، في ضيعتها الواقعة في منطقة وادي السواني.

عندما دخلت مريم إلى مزرعتها، تحلقت حولها البقرات تحت ظل أشجار صنوبر عالية، وكأنها تحيي مع مربيتها ذكرى وصولها إلى الكاف.

من رحم الأرض الخصبة

انبثقت قصة مريم من رحم أرض زراعية خصبة، حيث نشأت بين أحضان عائلة تمارس مهنة الفلاحة وتربية الأبقار جيلا بعد جيل.
فمنذ نعومة أظفارها، تشربت مريم حب الأرضِ وارتباطها بتربية الحيوانات، مستمعة إلى حكايات والدها الذي كان يشجع أبناءه على اغتنام الفرص المتاحة على أرض العائلة وتحويلها إلى مشاريع ناجحة. وعن ذلك تقول مريم: «أبي فلاح، وقد تربيت في الريف على الفلاحة وتربية الأبقار».
وتضيف مفتخرة بأصولها وتربيتها: «أبي كان يقول لنا: لم لا تُنجزون مشاريع طالما الأرض متاحة، وإذا حصلتم على عمل آخر (وظيفة حكومية) فليس هناك مشكلة».

وتتابع: «فعلا اقتنعت بأفكار أبي، واتبعت مسار إخوتي بشراء أبقار وتربيتها في ضيعة العائلة».
وعن قصة توجهها لتربية الأبقار، تقول مريم إنها عندما أخفقت في امتحان البكالوريا (الثانوية العامة)، وجدت نفسها في مواجهة كابوس البطالة، حيث أُغلقت الأبواب بوجهها، ولم تكن هناك فرص واضحة أمامها.

وفيما كان البعض يروج لفكرة أنه لا يمكن القيام بأي شيء بدون شهادة البكالوريا، اتخذت مريم قرارا جريئا بدخول مشروع اقتصادي.

انخرطت في تدريب لمدة 3 أشهر ونصف في مجال تربية الأبقار الحلوب في مدينة الكاف، وقامت بدراسة وتحليل المشروع بشكل دقيق وشامل.

ووفقا لمريم، «يحتاج كل مشروع إلى تقييم دقيق لمعرفة إذا كان مؤقتا أم يمكنه الصمود على المدى الطويل. لهذا السبب، قمت بدراسة جدوى مشروع تربية الأبقار بعناية، واليوم أرى نجاح مشروعي، ما يؤكد أنني على الطريق الصحيح».

من 4 بقرات إلى قطيع

وعن البدايات، تقول مريم إنها باشرت مشروعها بـ4 بقرات فقط بعد الحصول على قرض من أحد البنوك المحلية.
وتشير إلى أنها اختارت لمشروعها سلالة أبقار «مونبليار» الفرنسية، كونها تتميز بالوفرة في إنتاج الحليب واللحم.وتضيف بسعادة: «الآن بات عندي قطيع من الأبقار».

لم يكن مشوار مريم معبدا، فقد واجهت العديد من التحديات، وعن ذلك تقول إنها بعد البدء في المشروع ضرب جفاف المنطقة، وكان عليها تسديد الديون للبنك.

وتضيف: «فكرت في بيع القطيع لكن قلت لنفسي: إذا واجه أي مشروع أقيمه صعوبات وقمت ببيع ما أملك (من أصول) فلن أتقدم، يجب أن أواجه ولن أستسلم».

وتتابع: «وجدت أبي معي يوجهني ويعيد لي التوازن كلما جنحت للاستسلام، وبفضل ذلك لم أبع كل البقرات ولكن قمت بتخفيض عددها حتى تمر الأزمة، لأنه لا يجب أن أدخل في الخسارة».

وتشير مريم إلى صعوبات أخرى واجهتها خلال عامين من الجفاف، حيث كانت تشتري الأعلاف بأسعار باهظة. لكنها سعت إلى تجاوز الصعوبات عبر الاقتصاد في النفقات الشخصية والصبر، حتى جاءت الأمطار هذا العام، وإن كانت قليلة.

اندمجت مريم جيدا مع العمل الفلاحي، فهي تقود الجرار بنفسها وتعتني ببقراتها التي وفرت لها ما تحتاجه من أعلاف للفترة القادمة في مخزن مجاور للمزرعة ، وهناك تقول: «كل بقرة مخصص لها مكان ورقم واسم محدد، وعند تقديم الأعلاف تتوجه كل بقرة إلى مكانها».

وتضيف: «في البداية عندما وصلت البقرات من فرنسا إلى ضيعتنا أطلقت عليها أسماء أجنبية مثل ايفا ولوليتا، إلا أن والدي طلب مني تعريب الأسماء، فأطلقت عليها أسماء مثل رحمة وسوسن وعزيزة وفيروز وغيرها». وتواصل: «عندما أنادي البقرات تستجيب كل بقرة لاسمها».

طموح دون حدود

لا تتوقف طموحات مريم عند هذا الحد، فهي تسعى إلى توسيع مشروعها، وتقول: «لابد من دعم المشروع بآخر مثل متجر لبيع منتجات الألبان، فالاقتصار على تربية الأبقار لا يكفي».

وتضيف: «عندما اشتريت البقرات قلت هذا لا يكفي، ولابد من تثمين الحليب الذي ننتجه عبر تحويله إلى أجبان في ضيعتي، وفتح متجر لبيع مشتقات الحليب في مدينة الكاف، لكنني أجّلت المشروع بسبب الجفاف».

وتتابع: «لكن هذا العام سأنجز هذا المشروع بعد تغير الأوضاع المناخية نسبيا».

وتوجه مريم رسالة للشباب التونسي الذي يواجه مصاعب الحياة وارتفاع البطالة بالقول: «أيها الشاب إذا لم تنجح أنت وتضع في حسابك أنك ستنجح فلن يأتيك أي شخص ويقول لك: انهض وستنجح، فكل شخص لابد أي يؤمن بقدراته الذاتية على النجاح».

وتضيف: «أنا مررت بحالة شك في قدراتي بعد الفشل في امتحان البكالوريا، لكن عندما انتبهت إلى نفسي

وتساءلت: إلى متى سأبقى أعوّل على والديّ؟».
وتتابع: «صحيح أن العيش صعب في تونس، لكن إذا فكر الجميع في الهجرة فلن يبقى أحد في البلاد».
وتواصل: «الكبار قدموا ما عليهم، وحان الوقت أن ينتبه الشباب لأنفسهم، ويتركوا المقاهي والمطاعم ليتوجهوا للعمل».

ورغم الصعوبات، تشعر مريم بالفخر لنجاحها في مشروعها، وتقول: «دخلت المشروع شغفا، ووصلت إلى النجاح».

وتضيف: «في الكاف، عندما يقولون عني الفَلاَّحة الصغيرة وأنا في سن 25 عاما، أشعر بالفخر، وهذا تحقق لي بالعزيمة».

وعن تشجيع الدولة للفلاحة، تقول مريم: «إن جملة: الدولة تشجع الفلاح، نسمعها دائما، لكنها لا تُطبق أبدا»، وتضيف: «الفلاح دائما يعاني، ولا يلتفت إليه أحد».

وتوضح: «عندما تقصد السلطات لطلب المساعدة على مواجهة الجفاف، يقولون لك عد الشهر المقبل، لكن الحيوان لا يعرف تأجيل حاجته للأكل، فإذا لم يأكل في موعده يضطرب ويدخل في حالة هيجان».

وتتابع: «الدولة تقول لك تقدم بمطالب، وعد في موعد آخر، ولم تفهم السلطات أن تونس صمدت أمام الأزمات بالفلاحة».

وتختتم قائلة: «تونس هي تونس الخضراء، وإذا نُزع عنها الاخضرار والفلاحة فلن يبقى فيها شيء»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock