امرؤو القيس وحكاياه مع الزير سالم.. نُفي بسبب شعره وطريقة مـ.ـوته غريبة جداً!!
امرؤو القيس وحكاياه مع الزير سالم.. نُفي بسبب شعره وطريقة مـ.ـوته غريبة جداً!!
نذكر امرؤ القيس على أنه واحد من أهم شعراء العصر الجـ.ـاهلي، لكن قد لا يعرف كثيرون منا أنه كذلك “ذو القـ.ـروح”، الذي مـ.ـات بعد أن تقـ.ـرّح جسده بسبب ارتـ.ـداء حلة مسـ.ـمومة أهـ.ـداها له ملك الروم، وأنه أيضاً “الملك الضليل” الذي خـ.ـذلته قبائل العـ.ـرب بعد أن طـ.ـلب ملك الحيرة رأسه، وأنه الشـ.ـريد الذي دفـ.ـن في “أنقرة” التركية بعيداً جداً عن أرض أجـ.ـداده.
فإذا كنت تظن أنك تعرف “امرؤ لقيس” حـ.ـق المعرفة، قد تغير رأيك بعد قراءة هذا التقرير:
امرؤ القيس ابن الملك الكندي
لا نعلم تحديداً متى ولد امرؤ القيس، لكن ميلاده كان في أوائل القرن السادس الميلادي، وهو من قـ.ـبيلة يمنية تدعى “كـ.ـندة”، وقد احـ.ـتلت قبيلته مكانة عـ.ـظيمة في “نجـ.ـد”، وكانت مقـ.ـسمة إلى عدة قبـ.ـائل واقعة تحـ.ـت حكـ.ـم والده وأعـ.ـمامه.
فبينما حكـ.ـم والده حُـ.ـجر بن الحـ.ـارث الكندي، بني أسد وبني غـ.ـطفان، حكـ.ـم أعـ.ـمامه الثلاثة كلاً من بني بكر وقيس وتغلـ.ـب وسعد، وكان والده وأعمامه في النهـ.ـاية يدينون بالولاء والطـ.ـاعة لملـ.ـوك حـ.ـمير اليمنيين.
وربما يجـ.ـهل كثيرون أن “امـ.ـرؤ القيس” ما هو إلا واحد من الألقـ.ـاب التي حمـ.ـلها ذلك الشـ.ـاعر الكـ.ـندي، فـ”القيـ.ـس” هو واحد من أصـ.ـنام الجاهـ.ـلية التي كان العـ.ـرب يعبـ.ـدونها وينسـ.ـبون أنفسـ.ـهم إليها.
أما اسمه الحقـ.ـيقي فهو جنـ.ـدح بن حُجر بن الحارث الكندي، وإلى جانب “امرؤ القيس” حمل ألقاباً عديدة كان أبرزها: “الملك الضـ.ـليل” و”ذو القت.ـروح”.
خاله الزير سالم أبو ليلى المهلهل
جمعت قواسم مشتـ.ـركة كبيرة بين امرؤ القيس والزير سالم أبو ليلى المهلهل، فقد تشـ.ـارك الرجلان شغـ.ـفاً بحـ.ـياة اللهـ.ـو وحـ.ـب الشـ.ـعر وعشـ.ـق النساء.
ولم تأت هذه القواسم المشتركة عبـ.ـثاً، فقد جمعت القـ.ـرابة وصلة الد.م بين الرجلين، فوالدة امرؤ القيس هي فاطـ.ـمة بنت ربيعة، أخـ.ـت كليب والمـ.ـهلهل التغـ.ـلبيين.
وقد تلقن امرؤ القيس الشعر منذ نعـ.ـومة أظفاره على يد خـ.ـاله المهلهل، ولولاه ربما ما كان ليـ.ـصبح واحداً من أهم شـ.ـعراء العصر الجاهـ.ـلي على الإطـ.ـلاق.
الشعر الماجن ومصـ.ـادقة الصعاليك
كونه ابن ملك من علية القـ.ـوم، نشأ امرؤ القيس متـ.ـرفاً مرفـ.ـهاً، وبحكم العـ.ـلاقة القـ.ـوية التي جـ.ـمعته بخاله “الزير” فقد كان يقـ.ـضي معـ.ـظم أوقـ.ـاته في اللهـ.ـو والشـ.ـرب ونظـ.ـم الشعر الماجن، فقد سـ.ـلك في الشعر مسلكاً خـ.ـالف فيه تقـ.ـاليد بيئـ.ـته، واتخد لنفـ.ـسه سيرة لاهـ.ـية لا تـ.ـليق بـ”ابن ملك”.
فقد كان يتهـ.ـتك في غزله ويفـ.ـحش في سـ.ـرد قصـ.ـصه الغـ.ـرامية، وهو يعتبر من أوائل الشعراء الذين أدخلـ.ـوا الشعر إلى مخـ.ـادع النساء.
وبالرغم من أن والده هـ.ـدده مرات عدة ونهـ.ـاه عن حيـ.ـاة اللهو التي كان يعيـ.ـشها، فإن امرؤ القيس لم يكـ.ـف أبداً عن نظم الشعر الماجن، ومغـ.ـازلة النساء وشـ.ـرب الخـ.ـمر ومصـ.ـادقة الصـ.ـعاليك من العرب.
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل
بالرغم من تعدد مغـ.ـامراته العاطفية، وعشـ.ـقه وتغـ.ـزله بالكثير من النساء، فإن حـ.ـبه الحقـ.ـيقي كان لابنة عمه فاطمة، وهي التي قال فيها معلقته الشـ.ـهيرة التي تبدأ بـ:
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ ** بِسِـ.ـقطِ اللِّوى بَينَ الدَّخولِ فَحَـ.ـومَلِ
ويكمل:
أفاطمُ مهـ.ـلاً بعض هذا التدلل ** وإن كنتِ قد أزمعتِ صـ.ـرمي فأجملي
وإن تك قد ساءتك مني خليقةٌ ** فسـ.ـلي ثيابي من ثيابك تنـ.ـسل
أغرّكِ مني أن حبك قاتلي ** وأنك مهما تأمـ.ـري القـ.ـلب يفعل
وأنك قسـ.ـمت الفـ.ـؤاد فنـ.ـصفه ** قـ.ـتيلٌ ونصفٌ بالحديد مكبل
وما ذرفت عيناك إلا لتضـ.ـربي ** بسـ.ـهـ.ـميك في أعـ.ـشار قلب مقـ.ـتل
وبالرغم من حـ.ـبه الشديد لفاطمة فإنه لم يستـ.ـطع سبيلاً إلى وصلها، ربما بسبـ.ـب شهـ.ـرته باللهو والمجـ.ـون بين العرب.
فـ.ـقء عيني امرؤ القيس ثمـ.ـناً لمجـ.ـونه
تقول بعض الروايات إن الملك الكندي، والد امرؤ القيس قد ضـ.ـاق ذرعاً به وبنـ.ـمط الحـ.ـياة الماجـ.ـنة التي يعيـ.ـشها، ولما سمع غـ.ـزله
الماجـ.ـن في واحدة من أبناء عمومته استشـ.ـاط غـ.ـيظاً ودعا غـ.ـلاماً له اسمه ربيعة، وأمره أن يذهـ.ـب ويبحـ.ـث عن امرؤ القيس ويقـ.ـتله ويفـ.ـقأ عينيه ويـ.ـأتي بهـ.ـما إلى القـ.ـصر.
فانطلق ربيعة باحثاً عن امرؤ القيس، فلما وجده لم يتمكن من قـ.ـتله وأشفـ.ـق عليه، فذبـ.ـح جـ.ـؤذراً (ولد البقرة الوحـ.ـشية) وفقأ عيـ.ـنيه ثم ذهـ.ـب بهما إلى الملك.
ولما شاهد الملك العينين المفقـ.ـوءتين نـ.ـدم نـ.ـدماً شـ.ـديداً، وتمنـ.ـى لو أنه لم يأمر بـ.ـقتل ابنه، فاعـ.ـترف ربيعة أنه لم يقـ.ـتله، فعـ.ـفا عنه الملك، وأرسل في طلب ابنه الذي وعـ.ـده بالامـ.ـتناع عن الغـ.ـزل الجـ.ـريء.
لكنه ما لبث أن أنشـ.ـد بعد ذلك قصيدته الشهيرة التي يتغـ.ـزل فيها بـ”سلمى” ويقول في مطلعها:
أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الطَّلَـ.ـلُ البالي ** وَهَل يَعِـ.ـمن مَن كانَ في العُصُـ.ـرِ الخالي
فبلغ ذلك أباه فطـ.ـرده من القبيـ.ـلة.
لكن يشك الكثير من المؤرخين برواية “فـ.ـقء العـ.ـينين”، ويعـ.ـتبرونها رواية منحت.ـولة، حالها كحال الرواية التي تقول إن امرؤ القيس قد تغـ.ـزل ببعض نساء أبيـ.ـه غـ.ـزلاً فاحـ.ـشاً، ما دفـ.ـع أباه إلى طـ.ـرده، وذلك وفقاً لما ورد في كتاب “العصـ.ـر الجـ.ـاهلي” للدكتور شوقي ضيف.
لكن مع ذلك، يُجمع الكثيرون أن الملك غـ.ـضب من ولده امرؤ القيس بسبب أشـ.ـعاره ونمط حـ.ـياته الماجـ.ـنة، وطرده إلى موطن أعمـ.ـامه في حضـ.ـرموت، آملاً أن ينصلـ.ـح حاله، لكن ذلك لم يغـ.ـير من أمره شيئاً، فقد بقي لاهـ.ـثاً وراء حيـ.ـاة التسـ.ـكع واللهـ.ـو والصيـ.ـد وغـ.ـزو القبائل الصـ.ـغيرة لسلب متـ.ـاعها.
لا صحو اليوم ولا سُكْرَ غداً، اليوم خـ.ـمر وغـ.ـداً أمر
بقي امرؤ القيس على حاله، ولم يتغير حتى ثـ.ـار بنو أسد على والده وقتـ.ـلوه.
ويروي بعض المؤرخين أن المـ.ـلك قد أمـ.ـر وزيره بأن يطـ.ـوف على أولاده بعد مت.ـوته، وأن يوصي بالخـ.ـلافة لذلك الذي لا يبـ.ـكي عند سـ.ـماع خبر الوفـ.ـاة، وفعلاً طـ.ـاف الوزير على جميع أولاد حـ.ـجر بن الحـ.ـارث، ولم يكن أحدهم رابط الجـ.ـأش سوى امرؤ القيس، الذي كان جالـ.ـساً يشـ.ـرب الخـ.ـمر، ولما سمع النـ.ـبأ قال:
“رحـ.ـم الله أبي، ضيعـ.ـني صغيراً، وحمـ.ـلني د.مه كبيراً. لا صحـ.ـو اليوم ولا سُـ.ـكْرَ غداً، اليوم خـ.ـمر وغداً أمـ.ـر”.
ثم شرب سبعاً ولما صـ.ـحا حلـ.ـف ألا يدهـ.ـن بطيب ولا يشـ.ـرب الخمر ولا يقـ.ـرب النساء حتى يدرك ثـ.ـأر أبيه على عادة العـ.ـرب.
الملك الضـ.ـليل
بدأ امرؤ القيس بجمـ.ـع حلـ.ـفائه وأنـ.ـصاره من بني بكر وتغـ.ـلب لمهـ.ـاجمة بني أسد، الذين فاوضـ.ـوه وعرضـ.ـوا عليه أن يقتـ.ـص من مئة منـ.ـهم أو يقبـ.ـل فـ.ـديـ.ـة عـ.ـوضاً عن د.م والـ.ـده، أو يمـ.ـهلهـ.ـم على الأقـ.ـل قبل خـ.ـوض الحـ.ـرب، إلا أنه أبى وبدأ بمـ.ـلاحقتهم.
واستطـ.ـاع امرؤ القيـ.ـس ومن معه الإيقاع ببني أسد فقـ.ـاتلوهم وأسقـ.طوا منهم الكثير من القتلى والجرحى، وفر من بقي منهم هاربين.
ولما صبحوا أراد امرؤ القيس ملاحقة من بقي منهم وإفناءهم عن بكرة أبيهم، إلا أن بني تغلب وبني بكر رفضوا مرافقته، وقالوا له ها قد بلغت ثأرك، إلا أنه قرر جمع حلفاء آخرين والاستمرار بمعركته.
فلجأ إلى قبائل عديدة يطلب مناصرتهم حتى أمده أخيراً أحد قادة “حمير” بـ500 رجل، كما استأجر رجالاً آخرين من قبائل صغيرة متفرقة فسار بهم إلى بني أسد وظفر بهم محققاً ثأره.
إلا أن العداوات التي خلقها امرؤ القيس بجمع الحلفاء من قبائل، وقتال قبائل أخرى ساندت أعداءه بني أسد، أثارت على ما يبدو حنق المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة، فأمر برأس امرؤ القيس، فتفرق بنو حمير وباقي الرجال من حوله وهم يعلمون أنه لا طاقة لهم بجيوش ملك الحيرة المدعوم من قبل كسرى ملك الفرس.
فاضطر امرؤ القيس إلى الهرب والطواف على القبائل التي رفضت نجدته ومساندته في حربه مع المنذر حتى أطلق عليه لقب “الملك الضليل”.
امرؤ القيس وابنة ملك الروم
انتهى الأمر بامرؤ القيس مستغيثاً بأحد وجهاء تيماء، اليهودي السموأل بن عادياء الذي أكرمه وأحسن منزله، وتوسط له لدى قيصر الروم بالقسطنطينية لينجده ويمده بدعم حلفائه البيزنطيين من قبائل العرب.
وهكذا توجه امرؤ القيس إلى القسطنطينية بغرض لقاء القيصر جستينيان الأول، مع عمرو بن قميئة، أحد خدم أبيه، وعندما وصل إلى القسطنطينية بعد رحلة طويلة وشاقة أكرمه القيصر ورفع منزلته ووافق على مده بجيش كبير لمواجهة المنذر.
وقد روي أن امرؤ القيس قد عشق ابنة ملك الروم وقال فيها شعراً على عادته، لكن العديد من المؤرخين يصنفون هذه القصة كواحدة من القصص الكثيرة المختلقة التي أحاطت بـ”الملك الضليل”.
ويُروى أيضاً أن رجلاً من بني أسد يدعى “الطماح” كان امرؤ القيس قد قتل أخاً له، كاد له عند ملك الروم وقال له: “إن امرؤ القيس غوي عاهر، وقد ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، وقال فيها أشعاراً أشهرها في العرب”.
فغضب ملك الروم مما سمع، وقرر أن يبعث من يقتل امرؤ القيس.
حلة مسمومة أم الجدري؟
لا نستطيع الجزم بالطريقة التي مات بها امرؤ القيس، إذ تضاربت الروايات حول ذلك، فقيل إن ملك الروم قد بعث له بحلة مسمومة منسوجة بالذهب، وكتب له: ” إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك، فالبسها واكتب إليّ بخبرك من منزل منزل”.
فما إن لبسها امرؤ القيس وسر بذلك حتى سرى السم في جسده وبدأ يتقرح شيئاً فشيئاً، ولقب بعد هذا بـ”ذي القروح”، ثم توفي إثر ذلك.
لكن تشير مصادر أخرى أن القيصر لم يفِ بوعده لامرؤ القيس، لكنه لم يسممه كذلك؛ بل إن موته كان بسبب إصابته بالجدري، فتقرّح جسده كله ومات نتيجةً لذلك.
ضريح امرؤ القيس في أنقرة
وبغض النظر عن الاختلاف حول سبب موته، يُجمع المؤرخون أن امرؤ القيس قد توفي في طريق عودته، بينما كان مارّاً في موضع من بلاد الروم “أنقرة”، حيث احتضر هناك.
وقبل موته وجد قبر امرأة من بنات ملوك الروم وقد دفنت بجانب جبل يدعى “عسيب”، فقال:
أجارتنا إن الخطوب تنوب ** وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان هاهنا ** وكل غريب للغريب نسيب
ثم مات هناك، حيث يوجد ضريحه اليوم في تركيا، تحديداً هضبة خضرلك المقابلة لقلعة أنقرة.
ويحكى أن قبـ.ـر الشاعر العربي الشهير امرؤ القيس الكندي الذي كان صاحب واحدة من أشهر معلقات الشعر مازال في العاصمة التركية أنقرة حتى يومنا هذا.