آخر ما قاله الشيخ “الصافي” قبل وفـ.ـاته
تركيا رصد-فيسبوك
عرفتُه مذ أكثرَ مِن 25 عامًا عن قُرب، فرأيتُ رجلًا يعيش ليدعوَ إلى الله تعالى في أيِّ مكانٍ أقام فيه أو زاره.
عرفتُه عن قربٍ فوجدتُ فيه العالمَ الذي تعلَّم ليَعملَ ويُعلِّم، لا لِيأسرَ منبرًا أو يَكسبَ جاهًا
كنتُ تلك الأيامَ شابًّا في بداية طريق العِلم والدعوةِ إلى الله تعالى، أَجتمع به في مغارةِ الدَّم بجبل قاسيون، فكان يقول لي: (إنت جبلي الشباب لهون، واترك الباقي عليَّ)، فكنتُ أصطحب معي بعضَ زملائي في الثانوية لعندِه، فما أنْ يَسمعوا كلامَه إلا وهدايةُ الله تُلامِسُ قلوبَهم …
حدَّثني عن التضيق والحسد الذي تَعرَّض له مِن البعض، وأنهم عيَّنوه إمامًا في مسجد مغارة الدَّم أعلى جبلِ قاسيون؛ إبعادًا له عن الدعوة والتعليم، فكان يقول: هم أَرادوا إبعادي فصارت الشبابُ تأتي لعندي
أعجبني فيه عدمُ تَنطُّعِه بالفكِّر أو تَقعُّرِه بالكلام، لم يكن يُبدِّع ولا يُكفِّر، ولكنْ يَنصح ويُوجِّه، لم يكن يُفسِّقُ ويَحتقِر، ولكنْ يدعو بالهداية ويَدلُّ على الله تعالى …
ألف الشيخُ بعضَ الكتبِ والرسائل، وأهداني بعضَها وقال لي: (أنا أَلَّفتُ هذه الكتبَ؛ لأني رأيتُ حاجةَ الناسِ لها، وليس ليُقال عني عالمٌ أو مؤلِّف!)
ومن مؤلفاته رحمه الله:
1ـ (التعليقات المرضيَّة على الأحكام الشرعيَّة في الأحوال الشخصيَّة).
وهو كتابٌ يتعلَّق بأحكامِ النكاحِ والطلاقِ والنَّسبِ والنَّفقة، كان الشيخ يحفظ هذه الأبحاثَ ويُتقِنها، بل عندَه أسلوبٌ فريدٌ في شرحها وإيصالها لعامَّةِ الناس …
2ـ (جبل الأربعين وأُسطورة مغارةِ الدَّم).
ألَّف الشيخُ رحمه الله هذه الرسالةَ لبيانِ كثيرٍ مِن الخرافات والبدع والأحاديثِ المنكرة حولَ هذا المكان.
ومغارةُ الدَّمِ مكانٌ أَوى إليه العبادُ والعلماءُ والصالحونَ منذ القرونٍ الأُولى، واختلَوا به واستسقوا وتعبَّدوا، ولكنْ مع الأسف انتشرتْ حولَه خرافاتٌ، فعالجها الشيخُ بأسلوبٍ علميٍّ هادئٍ.
وقد أهداني رحمه الله هذه الرسالةَ وقرأتُها عليه بتمامها، وأَرسل معي أيضًا نسخةً هديةً إلى شيخنا العلامةِ المفسِّر الأديب أحمد نصيب المحاميد رحمهما الله تعالى، وطَلَب مِن الشيخ أنْ يرسلَ له أيَّ ملاحظةٍ أو تنبيهٍ على الرسالة.
3ـ (أحكام الحيض والنفاس)
ألفها بأسلوبٍ معاصرٍ، وعباراتٍ سهلةٍ غيرِ معقَّدة؛ كي يُقرِّب هذه الأحكامَ إلى العامَّة.
4ـ (إرشاد الناس لما يَفعلونه بموتاهم مِن دفنٍ وتعزيةٍ وفقَ الشريعةِ الإسلامية).
أَورد فيه الشيخُ ما ورد في السُّنة مِن الأحاديث الصحيحة، وحذَّر الناسَ مِن الأفعال المخالفةِ التي لا أصلَ لها.
5ـ (سبيل الهدى والعمل)
رسالةٌ جمعها الشيخ ليَحثَّ الناسَ على الأفعال والأقوال المأثورة.
6ـ (تعليم الصلاة للصغار).
7ـ (الجانب المشرق من تجربتي في درعا).
أقام الشيخُ مدةً طويلةً بمدينة درعا يدعو الناسَ فيها إلى الله تعالى، ويُرشدهم لسُبل الخير والسُّنة، وجرتْ معه قصصٌ وأهوالٌ عجيبة، إلا أنه كَتَب ونَشَر الجانبَ المشرِق فقط!
8ـ (يا أسفي على الموالد كيف أصبحت).
رسالة تكلَّم الشيخُ عن فضيلة جمعِ الناسِ وإرشادِهم، وحذَّر مِن بعض الأفعال الذميمة التي ينبغي الابتعادُ عنها.
9ـ (شرح الجواهر الكلامية في إيضاح العقيدة الإسلامية).
شرح فيه رسالةَ العلامةِ طاهر الجزائري في العقيدة، وجعلها سهلةَ العبارة مُيسَّرةً.
10ـ (تعليقاتٌ وحواشٍ على متن نور الإيضاح) في الفقه.
11ـ (الدرة في أحكام الحج والعمرة).
12ـ (ما أكثر الحجيج وما أقلَّ الضجيج).
رسالة توجيهٍ عامٍّ كتبها لأُمناء الأفواج وللحجيج، يَحثُّهم فيها على مقاصدِ الحجِّ وأهدافِه، وأنه ليس مجرَّدَ طقوسٍ وأفعالٍ فقط، بل هو مدرسةُ أخلاقٍ وعلمٍ وعقيدة.
وقد كَتب الشيخُ هذه الكتبَ ليَخدمَ أُمتَه، ولم ينتظر مِن أحدٍ جزاءً ولا شكورًا، ولا يضرُّه وصفُ البعضِ له بجاهلٍ أو داعيةٍ فقط !
رأيتُه ـ والله ـ في يومٍ مِن الأيام يَبكي على طلبةِ علمٍ، أُدخلوا أَقبيةَ التعذيبِ؛ بسبب وِشايةٍ مِن مدير مدرسة شرعية! وكان يقول: (ابتعد عن كلِّ عالمٍ منافقٍ، والزَم العلماءَ الصالحين)
ولد الشيخُ فتحي بن أحمد صافي بصالحية دمشقَ عامَ: 1954م، وتُوفي يومَ الخميس 26 شعبان 1440، الموافق: 2 أيار 2019م، وصُلي عليه عقبَ صلاةِ الجمعةِ بجامع العثمان، ودفن بمقبرة الأُورفلي بحيِّ ركن الدين بدمشق.
وفي آخر أيامِه قال: لن أتركَ شبابَ الشامِ تَنخدع بالتشيُّع أو تَذهب للتسيُّب، وسأَبقى أُعلِّم وأدلُّ على الله تعالى، وهذا ما كان …
وما كلُّ ما يُعلم يقال، وعلى الله الاتكال !
وأَترك لكم ختامًا وصيةً كتبها لي الشيخُ رحمه الله بخطِّه، سائلًا الله تعالى أنْ أعملَ بها، وأنْ تكون هذه النصيحةُ صدقةً جاريةً له، ولكلِّ مَن عَمِل بها أو نشرها:
المصدر: وائل الحنبلي